وأَمَا وقد بدأنا نمسّ جوهرَ موضوعنا، فلنتذكر أولاً أن القصة هي عرضٌ لفكرة مرت بخاطر الكاتب. أو تسجيلٌ لصورة تأثرت بها مخِّيلَته، أو بسطٌ لعاطفة اختلجت في صدره فأراد أن يعبر عنها بالكلام، ليصل بها إلى أذهان القراء، محاولاً أن يكون أثرُها في نفوسهم مثل أثرها في نفسه، وهي تتألف عادة من ثلاثة عناصِرَ رئيسية، هي: الموضوع، والشخصيات، والحوار. وهذا العنصر الثالث ليس من المقوِّمات المحتومة دائماً، ولكنه لازم في أغلب الأحيان. فتبدأ القصة بالتمهيد للفكرة، ثم تتطرق إلى ظهور العقدة، ثم تتوصل إلى حل هذه العقدة أو ما يشبه الحل، وهذا هو الهيكل المألوف في بناء القصة على وجه عام.
فمن القواعد في كتابة القصة، ما نذكره فيما يلي:
أولاً: أن تكون للقصة وَحدةٌ فنية. وبهذه الوحدة تتوافر فنية القصة. وما الوحدة الفنية إلا أن يجعل الكاتب همه مقصوراً على إبراز الفكرة الأساسية، مجتنباً جُهدَ الطاقة أن يتطرقَ إلى أفاق أخرى. وإيضاحُ ذلك أن يُراعِىَ الكاتب حصر عمله في جوهر الموضوع، خالصاً من طغيان الزخرف، فلا تَطمسُ التفاصيل الثانوية ذلك الجوهرَ الجدير بالعناية والإيثار. والقدرةُ الكتابية تظهر في التملك لزمام الصميم من الموضوع، كالفارس القابض على زمام جواده لا يدعه يجمحُ به ما طاب له الجموح.
فواجب إذن أن يُخضعَ الكاتب جراِت قلمه لموضوعه، ولا يدع الموضوع خاضعاً لقلمه يجرّه حيث شاء. فإن استطاع أن يخلص لموضوعه هذا الإخلاص ظهرت أفكار القصة متعاشقة، وخرجت القصة بنياناً متراصاً لا حجر فيه لغير معنى.
ثانياً: أن يُراعى في عرض الموضوع جانب التلميح ما أمكن وأن يُحذَرَ جانب التصريح. فلا يشرحُ الكاتب الموضوع ويحلل الشخصيات في شكل مهلهل، بحيث لا يترك شيئاً لفطنة القارئ وذكائه. فإذا لم يعن الكاتب بهذا الجانب كان مُتهماً قارئه بالغفلة وجمود الذهن إذ يوضح له ما ليس بحاجة إلى توضيح؛ وإذن تخرج القصة مكشوفة لا يجد فيها قارئها لذة التعرف بنفسه ولا يشعر بشوق إلى ما يجئ منها بعد. فلا بد أن يدع الكاتب للقارئ فرجة يستطيع بها أن ينتهي إلى التصريح من التلميح، وأن يُشيدَ الكبير من الصغير، وأن