يشقِ بمخيلتهِ - فيما يقرأ - آفاقاً من التصور والتفكير. وكما أننا نشير بضرورة أخذ الكاتب بالتلميح، نشير كذلك بألا يجنح إلى الإغراق فيه، مخافة التورط في الغموض والإبهام، فيضل القارئ في فَيافٍ لا يقر له فيها قرار
ثالثاً: أن يعني الكاتب برسم شخصياته، وأن يجعلها تصدر في أقوالها وأعمالها من منطق الحياة التي أراد لها المؤلف أن تعيشها بواعيتها الظاهرة، وواعيتها الخفية أيضاً؛ حتى إذا مضى القارئ في تفهم هذه الشخصيات، وتصور ما يقع من أمثالها، لم يجد نفسه مصطدماً بشيءٍ غيرِ مألوف يأباه المنطق أو الذوق. وما أجدر أن يلقيَ الكاتب كلَّ باله إلى هذا الجانب من البراعة في التحليل النفسي، فإنه يتوقف عليه شطر عظيم من فنية القصة.
رابعاً: ألا تكون الشخصيات بوقاً ينقل ما يلقى إليه المؤلف من الكلام، فيكون المتكلم هو المؤلف نفسه على لسان هذه الشخصيات الببغاوية. والواجب أن يكون للشخصيات كيانها المستقل، وأن تكون حية في حركاتها وسكناتها، وأن يُحس القارئ من أعمالها حرارة هذه الحياة، ويتعرف من فِعالها ما تتميز به من شمائل وحقائق. فلا تتكلم هذه الشخصيات إلا بالأسلوب الطبيعي الذي يلائم نفسيتها، ولا تعمل إلا وفق الحوادث على منهجها المرسوم لها. وبناء على هذه القاعدة، لا يجوز أن يدلنا الكاتب على شخصية بائسة، بأن يجعلها تقول: أنا بائسة. ولكن يعالج أن تُفصح الحوادث نفسها عن بؤس هذه الشخصية. وهذا إلا إذا كان الموقف بطبيعته يستدعي أن تتكلم الشخصية بلسانها، لتفصح عن حالها
خامساً: حتم أن يكون لكل قصة معنى، وإلا كانت القصة لغواً لا جدوى له. والقاص - ككل فنان آخر - مصور للحياة في مختلف ألوانها، مترجم عما يعتلج في رأسه وما يجيش في صدره من معان ومشاعر؛ فهو إذا كتب فإنما يكتب لتصوير هذه المعاني وإيضاح هذه المشاعر. ويصح أن نشير في هذا الصدد إلى أن معاني القاص في الغالب، إما مستمدة من الواقع الذي هو ملء مسموعه ومشهوده، وما هو في نطاق الجو المحليّ الذي يعيش فيه. وإما أن تكون هذه المعاني مستخرجة من صميم النفس البشري، تلك النفس الثابتة بميولها، الخالدة بغرائزها. إلا أن المجد الأدبي لا يكون من نصيب القصة التي يحذق كاتبها رد أصولها ومعانيها إلى أوصال الإنسانية الباقية بتلك الميول والغرائز. فرغبتنا إلى القصاص ألا يعنوا كثيراً بالموضوعات العابرة التي تتغير معالمها بتغير الزمان، وللناس حولها في