أهم أغراض شعر ابن النبيه المدح والغزل والرثاء والوصف، ولقد كان مدح شاعرنا رقيقاً بارع الأسلوب، يستهوي السامع ويأسره، ويستطيع أن يملك قلب الممدوح فيهبه جزيل الهبات، وهو يبدؤه بالغزل غالباً وأحياناً كثيرة يبدؤه بذكر الخمر ومجالسها والساقي وجماله وحينما مدح الخليفة الناصر أحمد بدأ مدحه بذكر الناقة التي حملته إلى الممدوح، وقريته من مقر حكمه، كما كان في بعض الأحيان يبدأ مدحه بدون تقدمة، غير أنه كان حينما يأتي بمقدمة قبل مدحه يجيد غالباً التخلص منها إلى المدح بلباقة وبراعة فهو حين يبدأ بالغزل يتخلص إلى المدح بمهارة كقوله:
لئن كان ينسى عقد عهد مودتي ... فلي ملك من فصله ليس ينساني
وحين يبدأ بالخمر يحسن التخلص منه كذلك مثل قوله بعد أن وصف الخمر:
حمراء تفعل بالألباب ما فعلت ... سيوف شاه أرمن من في عسِكر لجب
ولقد كان في النادر يطيل المقدمة إطالة كبيرة حتى تغير على المدح المقصود من القصيدة، ولقد كانت المقدمة مرة سبعة عشر بيتاً في حين أن المدح لم يستغرق أكثر من أحد عشر بيتاً، غير أن هنا ملحوظة أحب أن أوجه النظر إليها، تلك هي صيحة التجديد التي رفع الصوت بها، مندداً بأولئك الذين جعلوا كل همهم تقليد الأقدمين في بدء الشعر بالحديث إلى الأطلال وسؤال الديار، وهو في تلك النزعة يشبه - إلى حد كبير - أبا نواس الذي صاح قبله تلك الصيحة، واستمع إلى ابن النبيه يقول:
شكر المدام وشكر موسى مذهبي ... فلقد محون بطاعتي عصياني
شغلي مدائحه وغيري لم يزل ... كالبوم يندب دارس الجدران
للبيد والقفر الدوارس معشر ... عدل الزمان بشانهم عن شاني