كان يرى الأستاذ فليكس فارس رجحاناً لطابع الشرق الغيبي على قالب ثقافة الغرب الأثباتية. ومرد هذا الرجحان كما ظهر لنا من مناقشة كلامه اعتقاده بقانون الرجعى، وبأن لهذا الشرق من كيانه نافذة يتطلع منها إلى الحياة، هي نافذة فطرته الموروثة، فمنها يستقبل النور، ومنها يستقبل النسمات لأنفاسه. . وفطرة الشرق الموروثة على زعمه قائمة على الإيمان بالغيب. ونحن نرى ما يعبر عنه بالفطرة الموروثة هو التراث الشعبي لهذا الشرق والثقافة التقليدية له. وهو شيء كما قلنا غير فطرة الشرق وروحه، لأن الفطرة شيء مجرد يظهر في تاريخ الشعب وفي ثقافاته المتعاقبة من حيث يحتضن ثقافة الشعب التقليدية. إذاً من الخطأ من الناحية العلمية ما يقوله مناظرنا الفاضل الأستاذ فليكس فارس من أن فطرة شعوب الشرق هي الحالة الغيبية. والصحيح أن يقول إن طابع ثقافة الشرق التقليدية هو غيبي.
ولا شك أن طابع هذه الثقافة التقليدية ممكن تغييره بالطابع اليقيني، ولكن هذا التغيير وقف على العوامل والظروف التي تجد طريقها إلى محيط هذا الشرق. فنحن نعلم بأن كينونة الإنسان وقف كما قلنا في المقال السابق على مجموع الصلات المتبادلة بين المؤثرات المختلفة التي يختص بها المحيط الاجتماعي والبيئة الطبيعية من جهة، والإنسان من جهة أخرى؛ فإذا ما تغايرت المؤثرات في المحيط الاجتماعي فتبعاً لهل يتغاير منتوج الصلات القائمة بينها وبين البيئة الطبيعية حتى تحوز من المكافأة ما يتوافق مع ما أستجد من المؤثرات. ومثل هذا التغاير الخارجي يؤدي إلى تغير في الأفكار والسلوك الاجتماعي والشعور الذاتي في الجماعة البشرية. . .
وأظن أن مناظري مهما حاول أن يتعسف فلا يساعده المنطق والعلم أن ينال من صحة هذه المقررات الأولية.