قلنا في الكلمة الأولى: إن الأخلاق تعتبر علما من العلوم إذ كانت تصل في بحوثها إلى آراء وحقائق أخلاقية تبلغ من العموم وقبول الناس لها مبلغ الحقائق العلمية. ولكن هل توجد هذه الحقائق العامة للجميع؟
مذهب الشك الأخلاقي ينكر وجود أمثال هذه الحقائق التي يقبلها الناس جميعاً: البيض والسود، والحمر والصفر؛ لأن القواعد الأخلاقية ليست إلا عادات وتقاليد تختلف باختلاف العصور والبيئات؛ وليس يعوزنا أن نجد لهذا الرأي سندا في التاريخ. هذا موُنْتَاني الفيلسوف والأخلاقي الفرنسي المعروف، بعد أن جمع كثيراً من الآراء والأحكام الأخلاقية، يؤكد هذه النظرية بقوة حين يقول: لا يوجد شيء أكثر اختلافا بين أمم العالم بأسرها من العادات والقوانين. كثيراً ما نجد أمراً ممقوتاً هنا ممدوحا بل موصى به هناك؛ في إسبارطة كانوا يمتدحون المهارة في الفن ويتواصلون بها بينما كان محرما عند غيرهم؛ وقتل الآباء المعمرين إشافقا عليهم من تحمل أعباء الحياة وتكاليفها نراه مباحا بل مأمورا به لدى بعض القبائل التي لا تزال في دياجير الظلام، وأخيرا لا يوجد أمر غير مرضي هنا إلا ويكون محمودا عند أمة أخرى).
وباسكال الفيلسوف الفرنسي الذائع الصيت استعاد بعض ما أتى به مُونْتَاني من مثل وحجج، وأتبع ذلك بفيض من فصاحته اللاذعة إذ يقول:(لا يوجد تقريباً شيء عادل أو غير عادل إلا ويغير من صفته تغير إقليمه؛ ثلاث درجات في الارتفاع إلى القطب تقلب رأسا على عقب كل ما عرف من عدالة. خط واحد من خطوط الزوال يتحكم في الحقيقة والحكم الخلقي - الحق له أزمانه وبيئاته، عدالة مضحكة هذه التي يحدها نهر! حقيقة أمام جبال البرينيه خطأ وضلال وراءها)
حقيقة أن التاريخ وعلم الاجتماع ليؤكدان أن القواعد اختلفت باختلاف العُصُر، كما اختلفت