وتختلف في العصر الواحد بحسب البيئات. الرق كان نظاماً معروفاً لدى العبرانيين والمصريين القدماء والهنود والصينيين والعرب في الجاهلية، وإن اختلقوا شدة وليناً وقسوة ورحمة في معاملة الأرقاء. كما كانت الجمعية الإنسانية في المدينة الإغريقية - التي يفخر بها الأوربيون اليوم - تقوم على استرقاق فريق من المواطنين؛ حتى أن أرسطو بجلاله قدره يبرره لاعتبارات مختلفة: منها أنه لابد من العبيد ليتوفر الرجال الأحرار على الدراسات العقلية العالية، وأنه يوجد أناس بلغوا من السفالة والضعة أن يفهموا أنهم خلقوا للاستعباد. كما لم تمنعه الديانة المسيحية ولا الدين الإسلامي أيضاً؛ وإن لم تنبه الشريعة الإسلامية كغيرها على أن من الناس من خلقوا للذل والهون، ومن لا ترتفع بهم طبائعهم إلى مراقي الأحرار بل جعلت سببه أمراً واحداً: هو الكيد للإسلام ومحاربة الله ورسوله، ثم تدور الدائرة عليه.
هكذا كان الرق نظاماً معروفاً في الأزمان الماضية؛ أما في أيامنا هذه فقد صار معتبراً من أشنع المظالم الإنسانية، وغدا محرماً تحريماً باتاً.
لنترك الآن حق الحرية الشخصية وما كان فيه من اختلاف، لنلقي نظرة على حق الحرية الفكرية لنعلم ماذا كان حظه من تقدير الناس واتفاقهم عليه كحق عام يجب أن يتمتع به الجميع.
في العصور المتوسطة كان عدم التسامح الديني لدى المسيحيين مبرراً لا نكير فيه. ما كان أكثر رجال الدين الأعلام الذين كانوا يؤكدون أن الحقيقة لها كل الحقوق ومن بينها اضطهاد الضالين - في رأيهم طبعاً - بوساطة القوة! وأية حقيقة هذه التي كانوا يتكلمون عنها؟ إنها الحقيقة التي يعتقدونها، أي حقيقة كنيستهم؛ فالتعاليم التي تتعارض وتعاليم كنيستهم كلها ضلال، كلها إلحّاد، كلها جرائم موجهة ضد الإرادة الإلهية فهي حرية بأشد العقاب. هاهو ذا سانت أوجسْتينْ مع رجاحة عقله وسمو فكره يوصي بالالتجاء للإكراه لهداية الضال حينما تعوز الحيلة ولا ينجح الإقناع. وكذلك سانت توماس (أبعد رجال الكنيسة الغربية ذكراً: ١٢٢٦ - ١٢٧٤) يقول في بعض ما كتب: إذا كان المزورون والمجرمون يعاقبون عدلاً بالإعدام، فحري بنا أن يكون جزاء الهراطقة الخوارج عن الدين لا الحرمان الأبدي من الكنيسة فقط بل الموت الزؤام. وقد كان من أثر هذا التعصب الممقوت ما يذكره تاريخ