للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

الكذب

للقصصي الروسي نيكولا يفتش اندريف

ترجمة الأديب محمود البدوي

(أنت كاذبة! أنا أعرف أنك كاذبة!).

(لماذا تصيح هكذا. .؟ أمن الضروري أن يسمعنا كل إنسان؟).

وكذبت مرة أخرى فما كنت أصيح كما ادعت، وإنما كنت أتكلم على أتم هدوء ورقة. أمسكت بيدها وأخذت أحدثها في لين هادئ، والكلمة السامة: (كذب) تفح حولي فحيح الحية الصغيرة.

(واستطردت تقول: (أحبك. . . ويجب عليك أن تكون على ثقة تامة بي. . ألا يقنعك هذا؟) وقبلتني. . ولكني لما أردت أن أطوقها بذراعي وأضمها إلى صدري لم أجدها: كانت قد أفلتت مني وبارحت الممر المظلم، فتبعتها إلى الغرفة التي أخذ الحفل البهيج فيها يقوض خيامه، ومن أين لي أن أعرف - في مكان كهذا - أين أنا! لقد طلبت مني المجيء إليه فجئت، ورأيت القوم يدورون حولي مثنى مثنى طول الليل. وما تقدم إلى أحد ولا خاطبني إنسان. كنت هناك غريباً عن كل الناس، جلست في ركن يقرب من العازفين على الآلات الموسيقية وفم البوق النحاسي الضخم يوجه في خط مستقيم إلي. . . وسمعت في ناحية شخصاً سجيناً يزمجر ويضحك بعد كل دقيقة في هزة وخشونة ويصيح:

(هو. . . هو. . . هو. . .).

وكانت تقرب مني من حين إلى حين سحابة بيضاء عطرة. كانت هي. . ولم أكن أدري كيف دبرت بمهارة فائقة ملاطفتي وهي متقية أعين الناس، ففي ثانية خاطفة ضغط كتفها على كتفي، وفي لحظة قصيرة خفضت بصري فاستطعت أن أرى الجيد الأتلع والدثار الأبيض الضيق العروة. . ولما رفعت طرفي رأيت جانب الوجه الأبيض الصارم الهادئ كوجه الملاك المفكر فوق مقابر الموتى، فوق مقابر المنسيين من الموتى، رأيت عينيها. . . كانتا نجلاوين ساكنتين حبيبتين تتعطشان للنور. . تحف بهما دائرتهما الزرقاء، وقد برق

<<  <  ج:
ص:  >  >>