للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شخصية نسوية أندلسية]

صبح أو صبيحة

للأستاذ محمد عبد الله عنان

تتمة

تولى محمد بن أبي عامر مقاليد الحكم مع الحاجب جعفر بمعونة صبح وتدبيرها كما بينا، وبدأ الصراع بين الرجلين على الاستئثار بالسلطة. وكان أبن أبي عامر هو القوى بلا ريب، سواء بمواهبه وقوة نفسه أم بمؤازرة صبح له. ولم تكن هذه المؤازرة ترجع فقط إلى ذلك الحب القديم الذي تضطرم به جوانح صبح نحو ذلك الرجل القوي، ولكنها كانت ترجع أيضاً إلى ثقة صبح في مقدرته وبراعته، وفي أنه هو الرجل الوحيد الذي يستطيع أن يحمي ملك ولدها الفتى، وأن يوطد السلام والأمن في المملكة. فكان ابن أبي عامر في الواقع هو السيد المطلق، وكانت صبح تفوض إليه كل سلطة وكل أمر، فكان يدير الشئون كلها بمهارة تثير إعجاب خصومه وأصدقائه على السواء.

وكان الأمير الفتى، هشام المؤيد بالله، ميالاً بطبعه وسنه إلى اللهو والدعة، ولم يكن له شيء من تلك الخلال الرفيعة التي تهيئ الأمراء للاضطلاع بمهام الملك، فكان يلزم القصر والحدائق، ويقضي كل أوقاته في اللهو واللعب بين الخصيان وآلات الطرب. وكان أبن أبي عامر يشجع هذا الميول السيئة في نفس الأمير ويراها ملائمة لمقاصده؛ ومذ ولى هشام، حجر عليه أبن أبي عامر؛ ولم يسمح لأحد غيره برؤيته أو مخاطبته، وكان يحمل صبحاً بدهائه وقوة عزمه على أن تخلق الأعذار لحجب ولدها، حتى غدا هشام شبه معتقل أو سجين في قصره لا يعرف شيئاً من العالم الخارجي إلا ما يسمح له من ضروب اللهو واللعب. وفي ذلك يقول لنا مؤرخ أندلسي: (حجر المنصور بن أبي عامر على هشام المؤيد بحيث لم يره أحد مذ ولى الحجابة. وربما أركبه بعض سنين وجعل عليه برنساً فلا يعرف، وإذا سافر وكل من يفعل به ذلك). ويروي كوندي أن سيداً فارسياً يدعى سابور كان من أمناء القصر أيام الحكم، جاء من ماردة إلى قرطبة يوم البيعة لهشام ليؤدي يمين الطاعة، وحاول رؤية الأمير فلم يستطع. وفي الفرص النادرة التي كان يسمح فيها للأمير بالخروج

<<  <  ج:
ص:  >  >>