للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بلغنا العدد الألف!]

نعم، بلغنا العدد الألف! ومعنى ذلك انقضاء ألف أسبوع من عمر الرسالة الباقية، أو عشرين عاما من عمر صاحبها الفاني! وان عشرين عاما يقضيها الكاتب المتأمل في هذا المرصد الأدبي والاجتماعي يصوب مناظيره إلى كل سماه، وينصب مخابيره في كل أرض، لتكشف له عن ظواهر في الآفاق، وعن بواطن في الأنفس، ما كان ليراها، ولا بقلبه، لو أنه جلس مجلس المشاهد المتفرج في مسرح الحياة.

قضيت ثلث عمري الأعلى والأغلى دائبا دءوب القمرين، أعمل ليل نهار في عالم عبقري الأحلام والرؤى، يزخر بالعقول النيرة، والنفوس الخيرة، والأخيلة الخصبة؛ أناجيهم بالروح، وأخاطبهم بالقلم، وأقابلهم في البريج، وأجعل لهم من صفحات الرسالة جواء يسبحون في أطباقها مع الملائكة، ورياضا يهيمون على زهورها مع الفراش، وحقولا يعسلون من رحيقها مع النحل، حتى اجتمع لهم من أفانين الحق والخير والجمال عشرون مجلدا ضخما هي تاريخ نهضة وثورة أمة وتراث جيل.

في ذات عشية من عشايا نوفمبر من عام ١٩٣٢ زرت أخي الدكتور طه حسين في دارته بالزمالك. وكنت منذ أربعة أشهر قد رجعت من العراق بعد من أغلقت دار المعلمين العليا ببغداد، وكان هو قد أنزل عن كرسيه في كلية الآداب من جامعة فؤاد. فقلت له بعد حديث شهي من أحاديث الذكرى والأمل:

ما رأيك في أن نصدر معا مجلة أسبوعية للأدب الرفيع؟

فضحك طه ضحكته التي تبتدئ بابتسامة عريضة، ثم تنتهي بقهقهة طويلة، وقال:

وهل تظنك واجدا لمجلة الأدب الرفيع قراء في مجتمع ثقافة خاصته أوربية، وعقلية عامته أمية، والمذبذبون بين ذلك لا يقرءون - إذا قرءوا - إلا المقالة الخفيفة والقصة الخليعة والنكتة المضحكة؟

فقلت له: لعل من بين هؤلاء وهؤلاء طبقة وسطا تطلب الجد فلا تجده، وتشتهي النافع فلا تناله.

فقال وهو يهز رأسه ويمط شفتيه: حتى هذه الطبقة، أن كانت، ستقبل على الجد النافع أول الأمر لأنه يتغير وتنويع، فإذا ما ألح عليها لا تلبث أن تسأمه وتزهد فيه. والمثل أمامك في (السياسة الأسبوعية).

<<  <  ج:
ص:  >  >>