فقلت له: ربما كان لإقبال القراء على (السياسة الأسبوعية) ولأدبارهم عنها سببان آخران غير التغيير والسأم. كانت هذه المجلة أول ما صدرت قوية غنية خصبة فأصبحت حاجة؛ ثم اعتراها ما يعتري الكائن الحي من الوهن والانحلال فصارت فضلة.
فقال لي بعد نقاش طويل: أنت وشأنك! أما شأني فهو المقال الذي أكتبه، والرأي الذي أراه.
وكان يظاهرني على تفاؤلي أصدقائي الأدنون من لجنة التأليف والترجمة والنشر، فكانوا بهذه المظاهرة نقطة الارتكاز ومبعث المدد.
وأخيرا تغلب العزم المصمم على التردد الخوار فصدرت الرسالة. صدرت قوية بالروح، غنية بالمادة، فتية بالامل، فكانت ولله الحمد حدث العام وحديث الناس! صادفت خلاء فشغلته، وخللا فسدته، وعبثا فحاولت أن تصدر عنه بإيقاظ النخوة في الرءوس والكرامة في النفوس والرجولة في النشء. ثم حركت في الملكات الموهوبة ساكن الشوق إلى الإنتاج فأبدعت، وأهابت بالقوى الأدبية المتفرقة فتجمعت. ثم سفرت بين الأدباء في كل قطر من أقطار العروبة، فعرفت بعضا إلى بعض، وأطلعت كلا على عمل كل. ثم قادت كتائب الفكر والبيان في ميادين الإصلاح الأدبي والاجتماعي والسياسي على نهج واضح من الدين والخلق، فكتب الله لها النصر في معارك، ووعدها الفوز في معارك. ولو كانت الرسالة اليوم بسبيل أن تكشف عن قلبها، وان تتحدث بنعمة ربها، لذكرت فيما تذكر بلائها العظيم في إنهاض الأدب، وتوحيد العرب، وتخريج طبقة من الأدباء، وتثقيف أمة من القراء، بله مجاهدتها السلطان الباغي والثراء الطاغي والفقر المهلك. ولكنها ترى ذلك من لغو الحديث ما دام (وحي الرسالة) منشورا وأعداد المجلة محفوظة.
كانت نشأة (الرسالة) كنشأة (الوفد) من كل الوجوه؛ وكان تطورها كتطوره من بعض الوجوه. نشأة الرسالة كما نشا الوفد إجابة لحال مقتضية وضرورية موجبة. لم تكن في مصر حين صدرت الرسالة مجلة الحق، وتقضي حاجة القارئ الجاد. إنما كان الأدب السامي حينئذ خبئ في الصدور وحبيس المكاتب. فلم تكد تخرج إلى الناس حتى احتشدت فيها القوى المدخرة، وظهرت على صفحاتها الملكات المستترة، فلم يبق في العالم العربي صاحب نثر أو شعر إلا أشرق فيها عقله، وانتشر مع انتشارها فضله.
كذلك لم يكن في مصر يوم ظهر الوفد جماعة سياسية تواجه مشكلات الحرب العالمية