الأولى، وتوجه خطوات الثورة المصرية الثانية. إنما كانت السياسة يومئذ أصداء خافته لأصوات الماضي، وآراء متهافتة من ترهات الحاضر. فلم يكد سعد زغلول يؤلف الوفد حتى انضم إليه عباقرة الرأي ودهاقين السياسة فلم يبق في مصر صاحب قلم أو لسان أو منطق أو جاه إلا قصر جهده على الوفد، وأضاف جهاده إلى جهاد سعد.
ثم سعى الشيطان بين الأخوة فتصدع الشمل وتفرق الهوى وتمزقت الوحدة. فأنشق على الرسالة كتاب. واشتق منها صحف كما انشق على الوفد أقطاب، واشتق منه شعب. فضعف الأصل ولم يقو الفرع، واعتل المصدر ولم يصح المشتق، وخسر المفرد ولم يربح الجمع. وأصبحت الرسالة رجلا واحدا يجتمع من حوله أشياع الفكرة، كما أصبح الوفد رجلا واحدا يسير من خلف أتباع المبدأ.
على أننا نطمع في فضل الله أن يزيد الرسالة قوة في عهد مصر الجديد. وما تسال الرسالة إلا العون من الله؛ فقد عودها جل شانه ألا تفزع إلا إليه فيما يحزب من أمر وما ينوب من مكروه.
ولعل السر في بقائها إلى اليوم على ضعف وسيلتها وقل حيلتها أنها عفت عن المال الحرام، فلا تجد لها اسما في (المصروفات السرية)، ولا فعلا في المهمات الحزبية، ولا حرفا من الإعلانات اليهودية.
وإذا لم يكن للفضيلة نفاق في عهد غرق فيه (القصر) في الفحش والنكر والبغي والاغتصاب والاستبداد والقتل وارتطمت فيه (الحكومة) في الاختلاس والغش والخيانة والرشوة والمحاباة والختل، فإنا لنرجو أن يكون لها من السيادة والفوز نصيب، في عهد يتولى الأمر فيه بإذن الله على ما هو ومحمد نجيب!