للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[في النقد]

إلى صديقي أحمد أمين

للدكتور طه حسين بك

أخي العزيز:

قرأت فصلك الأخير الذي تناولت فيه النقد فصورت ما رأيت من ضعفه، والتمست له العلل والأسباب. وما أكثر ما يمكن أن يتصل بيني وبينك من الجدل لو أنني وقفت عند هذه القضايا التي أرسلتها إرسالاً، وحكمت بها على النقد قبل عشرين سنة، وعلى الأدب الآن! ولكن الفصل فصل صيف، لا يسمح بالجدل الطويل والحوار المتصل، لأننا مشغولون عن هذا وذاك بما تعلم من أعمالنا اليومية الثقيلة التي يقتضيها آخر النشاط الدراسي وأول هذه الأيام التي يفرغ فيها كل منا لنفسه ودرسه وراحته وراحة من يتصلون به، فلن أجادلك في أكثر هذه القضايا التي لا أكاد أقبل رأيك فيها. ولو أني أرسلت نفسي على سجيتها لما جادلتك في شيء مما ألممت به في هذا الفصل، ولقرأته كما أقرأ كثيراً مما تكتب مستمعاً دائماً، عارفاً أحياناً، ومنكراً أحياناً، ومتحدثاً إليك بما أعرف من آرائك وما أنكر

نعم لو أني أرسلت نفسي على سجيتها لاكتفيت بما كان بينك وبيني من حديث أول أمس، ولكني مدفوع هذه المرة إلى أن أتجاوز السجية، وأخرج عن العادةالمألوفة، وأرد بعض الأمر إلى نصابه، لأنك تجاوزت فيه ما ينبغي من الأنصاف. وأنا أبرأ إليك من الغرور وأربأ بك عن الجور، وما أشك في أن أمثالي من الكتاب الذين عرضت بهم أو عرضت لهم في فصلك القيم يبرؤون إليك مثلي من الغرور ويربأون بك مثلي عن الجور، ويرون مثلي أنك عرضت لقضية النقد ولقضيتهم هم في النقد عرضاً سريعاً، حظ اللباقة فيه أعظم من حظ التثبت والتدبر والأناة

وأظنك قد عرفت الآن القضية التي أريد أن أجادلك فيها، والمذهب التي أود لو أصرفك عنه. فأنت ترى، أن جماعة النقاد الذين كانت إليهم قيادة الرأي الأدبي، أو قيادة الحياة العقلية منذ حين، قد اصطنعوا الشجاعة أول أمرهم، وآثروا الصراحة أو كانت الصراحة لهم خلقا، فكتبوا كما كانوا يرون، وأخذوا بحظوظهم الطبيعة من الحرية؛ لم يحفلوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>