يرجع أصل الإنجليز إلى قبائل الأنجلو سكسون التي كانت تنزل الأراضي المنخفضة الألمانية في الجزء الممتد من مصب نهر الألب إلى شاطئ البلطيق، وذلك قبل أن يدعوهم البريتون سكان الجزر البريطانية الأصليون في عام ٤٤٩م لطرد قبائل الغال التي وفدت على بلادهم مستعمرة. وحلا لهم بعدها البقاء، وتكاثروا حتى غلبوا أهل البلاد على أمرهم؛ فبرزت إلى الوجود ثلاث ممالك إنجليزية ضمت تلك القبائل المتفرقة؛ وهي ممالك: نورتمبريا، ومريشيا، ووسكس , وذلك في أواخر القرن السادس الميلادي. وكان الإنجليز قد حملوا معهم نصيباً من الأدب المتوارث تواتراً عن موطنهم الأول. ولم تكن لهم حروف صالحة لتدوينه؛ حتى إذا اعتنقوا المسيحية، عرفتهم إلى حروف الرومان الهجائية، فسجلوا به ما وعته حوافظهم من ذلك التراث. وقامت في هذا الصدد محاولات ناجحة، أزدهر بها سوق الأدب ونفق، وخصوصاً على يد أهل نورثمبريا التي قامت على رعاية الأدب وحفظه، فدونوا الملحمة الشعرية (بيوولف) التي سنتكلم عنها كما سجلوا غيرها من آدابهم وتواريخهم. ونمت تلك الحركة إلى أن صدمها الغزو الدنماركي الذي عاود البلاد مرتين؛ ثم شلها بعد الغزو النورماندي عام ١٠٦٦م، فأوقف نماءها قرابة قرن ونصف قرن. فالذي خلص لنا من تراث ذلك العهد إنما يمثل لنا في صدق صميم الروح الإنجليزية، قبل أن تسمها مياسم جديدة من أثر الاختلاط بين الإنجليز والبربتون ثم بينهم وبين الدانماركيين والنورماند اجتماعياً وسياسياً؛ وقبل أن تطبعهم المسيحية بطابعها. كما أنها ترسم لنا تلك المحاولات الأولى التي قام بها الإنجليز في سبيل تدوين أدبهم والتعبير عنه؛ وتوقفنا على التدرج الطبيعي الذي لازم تلك الجهود من دور إلى دور.