لئن كنا نفهم الأدب على انه التعبير الصادق للنفس البشرية، وتصوير الحياة من جميع وجوهها النفسية والفكرية والاجتماعية بواسطة الألفاظ، فإننا نستطيع أن نجد بذلك التفسير العميق لخلود الآداب على وجه العموم. فما دامت النفس الإنسانية هي هي في جوهرها على مر الأزمنة والعصور، فإنها تدأب على تمجيد صورها الفنية الرائعة التي رسمتها ريشة الأدباء والشعراء على اختلاف نحلهم وأوطانهم. وهي تمجد هذه الصور لأنها تظل تفهمها مهما تقدم بها الزمن.
على أن الخلود ليس الصفة الوحيدة التي تتمتع بها الآداب! فهناك صفة العالمية، أو قل طابع الشمول الإنساني الذي لم نجده في جميع الآداب، وإنما امتاز به بعضها فقط.
لقد يخلد أدب في أبناء القوم الذين أنتجوه، لأنه يحمل بين طياته صورة لحياتهم الخاصة، وغذاء معينا لذوقهم المحلي، ولكنه لا يستطيع أن يمتد إلى ذوق سواهم من البشر، ولا أن يصل بكامل روحه إلى إفهام غيرهم من سكان المعمورة إذا ترجم لهؤلاء لأنهم لا يجدون فيه ما يتجاوب مع نفسياتهم، ولا ما يعبر عن أحوالهم وأفكارهم التي قد يشاركهم فيها جميع البشر إنه أدب محلي شخصي، ينطوي على فردية متقلصة ضيقة فقيرة، تجهل صفة الإنسانية العامة، الغنيمة بمعانيها الحية. ولهذا نجد آداباً كثيرة جمدت ضمن البيئات التي نشأت فيها لاحتفاظها بصفة الفردية الضيقة، ثم اندثرت مع الحضارات التي رافقتها، حتى أصبحت لا تذكر إلا على سبيل التأريخ لحياة الأمم التي أنتجتها! بينما نرى آداباً خلدت وانتشرت في أكثر اللغات، وظلت حية مجدة في كل صقع وكل قطر، لأنها تتمتع بصفة العالمية الواسعة. . .
والأدب العربي من زمرة الآداب العالمية التي لها صفة الشمول الإنساني. . . نقول هذا ونؤكده، ونحن نعلم تمام العلم أن من المستشرقين من أنكروه قطعاً، وحجتهم خلو هذا الأدب من المسرحيات التمثيلية والملاحم الضخمة، واقتصاره على وصف الأحوال والبيئات الخاصة لأعلامه. ولا يجد الواحد منا كبير عناء في الرد على مثل هذا الادعاء المنهار الأساس. فالأدب العربي يحتوي على عناصر إنسانية عدة، تنوب عن الفن المسرحي،