وتكاد تفوقه في الأهمية كما سنرى. وقبل أن ننفذ إلى بحث فنون هذا الأدب، أو قل عناصره التي تجلى بها، لنأخذ لغته التي تشكل قاعدته الاولى، وعصبه الأساسي.
اللغة العربية لغة حية ما في ذلك إشكال، وهي إلى هذا غزيرة مرنة قد برهنت خلال العصور على قدرتها على التسرب إلى مختلف الشعوب، والتأثير في كثير من اللغات. والأدلة على هذا كثيرة: فمع أن الفاتحين الذين ظهروا في الشرق قبل العرب لم يستطيعوا أن يفرضوا على الأمم المغلوبة لغاتهم، فقد تمكن العرب من فرض لغتهم عليهم. ولما صارت اللغة العربية عامة في جميع البلاد التي استولوا عليها، حلت محل ما كان فيها من اللغات: كالسريانية واليونانية والقبطية والبربرية وغيرها. وقد كان للغة العرب مثل ذلك الحظ حتى في بلاد فارس على الرغم من يقظة الفرس، بل لقد ظلت اللغة العربية في تلك البلاد لغة أهل العلم والأدب، وظل الفرس يكتبون لغتهم بالحروف العربية ولم تؤلف كتب الكلام والعلوم الأخرى في بلاد فارس بغير لغة العرب، وإلى اليوم لا يزال أمر اللغة العربية في ذلك الجزء من آسيا كالذي كان للغة اللاتينية في القرون الوسطى بأوربا.
وقد كان للغة العربية فوق هذا أثر عميق في اللغات اللاتينية ذاتها، حتى أن لمستشرقين (دوزي) و (أنجلْمن) وضعا معجما في الكلمات الأسبانية والبرتغالية المشتقة من اللغة العربية.
وحتى اللغة الفرنسية أيضاً لم تنج من تأثير اللغة العربية التي أعطتها مثلما أعطت الإيطاليين اصطلاحات كثيرة، وخصوصا الاصطلاحات البحرية. ويذهب الدكتور (غوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب) إلى القول بأن الأوربيين اقتبسوا فن القافية في الشعر من العرب، وأن الشعر الأسباني والشعر البروفنسي مدينان في ظهورهما لشعراء عرب الأندلس، ويؤيده في هذا عدة مستشرقين.
لسنا في حاجة إلى الاسترسال في التدليل على خاصة المرونة في اللغة العربية، تلك الخاصة التي جعلت منها لغة عالمية عظيمة الانتشار، فكان لها الأثر الأكبر في نقل الأدب العربي إلى أقطار كثيرة، وتزويد روحه بعناصر شتى ومواد غزيرة في بلاد متنوعة، مما جعله بالتالي أدباً عالمياً قريباً إلى نفس الإنسان في أي مكان. ولا أدل على ما نذهب إليه من كثرة الترجمات الأدبية من اللغة العربية إلى اللغة الأجنبية، ورواج هذه الترجمات