ظهرت أخيراً أول قطعة من مسرحيات شكسبير الخالدة على ستار السينما؛ وهو بلا ريب حادث عظيم في تاريخ الإخراج السينمائي؛ وقد كان رأى النقدة والفنانين أن مسرحيات شكسبير إنما خلقت للمسرح، ومن الصعب أن لم يكن من المستحيل إخراجها بنجاح على ستار السينما؛ ذلك أن مناظرها وخيالاتها لا تسمح رغم روعتها بذلك السبك الذي يطلب في الشرائط المصورة، ولأنها ترتفع أحياناً فوق الوسائل الفنية التي يسمح بها الإخراج السينمائي؛ ولكن فناناً عظيماً هو ماكس رينهارت رأى في مسرحيات شكسبير رأياً آخر، وجالت بذهنه فكرة جريئة هي الأقدام على إخراج بعض هذه القطع الخالدة على لوحة السينما؛ وقد تم إخراج المسرحية الأولى وعرضها، وهي (حلم ليلة صيف)، وقد أتيح لنا أن نشهد هذا الشريط الرائع أخيراً في إحدى دور السينما بالقاهرة، فألفينا فيه عبقرية المخرج العظيم تتجلى إلى جانب عبقرية الشاعر الخالد، ورأينا خيال الشاعر المبدع يبدو على صفحات الواقع الملموس في أروع ثوب؛ ولم يحل دون تحقيق هذه الأمنية. أن القصة كلها أحلام في أحلام، وأن هذه الأحلام تبلغ ذروة الخيال المغرق، وتفيض في عالم الأرواح والأشباح والعالم الآخر.
وسر هذا الإبداع المدهش في إخراج هذه القطعة الخالدة هو بلا ريب في عبقرية المخرج؛ والواقع أن ماكس رينهارت قد بلغ الذروة من قبل في إخراج المسرحيات الخالدة: مسرحيات شكسبير، وجيتي، وشيللر، ولسنج وغيرهم، على المسرح؛ وماكس رينهارت نمسوي يهودي، ولد في مدينة سالزبورج، موطن الفن والموسيقى الخالدة؛ وتلقى تربيته وخبرته الفنية في مدينة فينا أعظم موطن للثقافة الفنية والموسيقية، وظهر قبل الحرب بجهوده المسرحية في أعظم مسارح فينا وبرلين، ثم أستقر في برلين بعد ذلك، وهنالك تبوأ ذروة الفن، وأضحى مرجع المسرح في ألمانيا وكوكبه الساطع؛ ولكن حكومة هتلر جاءت منذ ثلاثة أعوام لتسحق العلوم والفنون والآداب في ألمانيا بكل ما وسعت من شهوات التعصب الجنسي والسياسي، فلم يطق الفنان العظيم - وهو يهودي غير مرغوب فيه - أن يعيش في هذا الجو الكدر، فغادر ألمانيا حيث سطع مجده، ليعمل حيثما تزدهر الأفكار