تكثر المخطوطات العربية في مكتبات أوربا كثرة تدعو إلى الالتفات إلى هذه الثروة العظيمة من أدب العرب وتاريخ العرب وعلوم العرب. ومهما كانت الوسائل التي اجتمعت بها هذه الثروة في خزائن الكتب الغربية فأن هناك ما يبرر الارتياح إلى انتقالها إلى تلك البلاد. ذلك أن النهضة العلمية التي قامت في أوربا على أثر اختفاء نور الحضارة العربية كانت مأخوذة بالحرص على أسباب النهضة ومقومات الثقافة فوجدت في هذه الكنوز العربية ما يغذي الحركة العلمية ويؤلف عنصراً مهماً من عناصر البحث فأقبلت عليها درساً واهتماماً وحاطتها بكل أسباب العناية والحفظ.
هذا على حين كانت العقلية العلمية في الشرق على الضد من ذلك: فتن وقلاقل وغزوات وانشغال بهذه الحوادث عن العلم والأدب والفنون، فهجر العلماء والأدباء موطنهم وفقدوا خزائن كتبهم بسبب هذه الهجرة واغتصبت منهم أحياناً فأحرقت أو رميت في الأنهار. وما أصاب خزائن الكتب الغربية لم يكن إلا بقايا هذه الكتب التي بعثرت في الأرض فأخذت أيدي الصبيان والجهلة أو استخلصت من لهيب النيران.
وربما كان أول البلاد التي فقدت ثروتها من الكتب العراق وسورية وأحسنها حظا في هذا مصر، والحوادث السياسية والاجتماعية هي التي تؤول أسباب فقر ذنيك البلدين من الثروة العلمية وحسن حظ هذه منها. على أن الأيام قد عادت بنا إلى الأمل بإمكان العثور على بعض من الكتب القيمة التي لم يكتب لها حظ الطبع والانتشار. ففي بعض المكتبات الشخصية في العراق يمكننا أن نجد مخطوطات تعد في طليعة الكتب العربية أثراً وفائدة، منها كتاب العين للخليل بن أحمد وكتاب المحيط للصاحب بن عباد، والمجمل لابن فارس وغيرها ومن بين هذه كتاب المقاييس في اللغة لابن فارس. ولابد من الكلام على شئ من سيرة أبن فارس مع الكلام على مؤلفه الذي نحن في عرض ذكره. فهو أحمد بن فارس الرازي. ينسب إلى الري. عاش في أواسط القرن الرابع الهجري ومات سنة ٣٩٥ عاصر الصاحب بن عباد وابن جني وأخذ عنه بديع الزمان الهمذاني الأسلوب المعروف بأسلوب المقامات. وفي عصره ظهر مؤلفو المعاجم الأولى مثل الصاحب بن عباد صاحب المحيط