ولا يغضبك من تلميذك أن يذكرك بعهد كرت عليه الأيام، وطواه الدهر في صفحات بدأ يعلوها الاصفرار. فكم في مثل هذه الذكريات من العذوبة ما ترق له النفس، وتذوب حنانا، يرسل في قسوة الحاضر سحر الماضي، فنرضى ونبتسم. . . ثم ينسينا التلهفَ على الماضي حسنُ الظن بالمستقبل. وهكذا تدفعنا دائماً مناعة النفس ضد التبرم بحقائق الحاضر أن نلوذ بما نتصوره سحر الماضي، حتى ترهقنا الحقيقة ونرى قلم الزمان يجر رقما جديدا في حساب الأعمار، فندير إليه ظهورنا ونتعلق بآمال المستقبل
فإذا أنكرت من تلميذك حديث الحنان ومنطق العاطفة، وإذا اتهمته بسوء النية في إثارة حديث الأعمار، فهو يدفع عن نفسه بأن التلميذ غير مسئول إذا اصطنع حديث العاطفة - ولو لم يكن هذا في فطرته - إذا كان أستاذه هو صاحب ذلك الأسلوب الموسيقي في ترجمة (آلام فرتر) و (رفائيل)؛ وهو متأهب بعد ذلك أن يسل حسام المنطق الجاف، منطق العقل الخالص، يعالج به مشكلة الأعمار ويقيم الدليل على أنه لم يكن ماكراً خبيثاً في إثارتها، وهو الذي لا يقنع بتلك الحجة البائسة تساق للسلوة عما مضى من الشباب، في قولهم إن مع المشيب نضوجا وحكمة، فما كانت هذه الحكمة في الغالب إلا خمودا في جذوة الحياة، وفرقا من اعتناق ثائر الأنظار تضطرب من تحتها الأرض. لا يقنع تلميذك بهذا بل هو مصطنع لسان الطب يعالج به مشكلة الأعمار فيقول: إن ما يختلج أعضاء المرء من الحيوية لا يقاس بما مر من السنين على بزوغ هذه الحيوية، وقديما قال الفرنسيون: وما عمر المرء إلا عمر عروقه ' وهو ما يعبر عنه بلغة البيولوجيا الحديثة (أو قل علم الحياة حتى يرضى عني أنصار ترجمة المصطلحات العلمية) بأن مبلغ الطاقة الحيوية في المرء