مؤلف هذا الكتاب الأستاذ توفيق أحمد البكري شاب سوداني ذو ثقافة عالية وذوق أدبي أصيل - ولا عجب فهو خريج كلية الآداب ومعهد الصحافة من جامعة فؤاد الأول - وإذ تصدى للكتابة عن الإمام الكبير محمد أحمد المهدي فقد تصدى بعد دراسة عميقة مزمنة ورغبة ملحة صادقة. ولعل المستر ونستن تشرشل يعنيه حينما قال في كتابه حرب النهر (إن المؤرخ السوداني الذي سيكتب تاريخ بلاده يوما ما يحب ألا ينسى أن يضع (محمد أحمد) في طليعة أبطاله، (فأن هذا الشاب النابه قد خدم بلاده خدمة محققة بنشره هذا الكتاب في سيرة ذلك الرجل، الذي لا نعلم أن أحداً استطاع من قبل أن يصور له صورة إنسانية خالية من التحامل) كما يقول الأستاذ الكبير أبو حديد.
وسيرة الإمام المهدي سيرة فيها من هدى الدين وقوة الإيمان ما ذللت أمامهما الصعاب ورضخت لمشيئتها القوة المنظمة الحاكمة! فأن رجلا نشأ بين أبوين شريفين رقيقي الحال فشب عن الطوق وثقافته دينية بحتة، وحياته تأملات صوفية عميقة، وروحه نقية زاهدة، فلا تريد من متاع الدنيا مالا ولا جاها ولا ملكا. وإنما يدعو العباد إلى صلاحهم وإلى ما يقربهم من ربهم لتمتلئ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا - وظلما - وبهذه الدعوة الطاهرة المليئة إيمانا تكأكأ عليه المؤمنون جماعات ووحدانا يرتلون قوله تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
استطاع، وهو الأعزل، أن يفتح ذاك الفتح المكلل بالظفر وأن يقيم دولة إسلامية دستورها الكتاب والسنة ست عشرة حجة طوالا
وإننا بصدد الإشارة إلى هذا الكتاب النفيس لا يفوتنا أن نزجي عاطر الثناء إلى لجنة دائرة المعارف الإسلامية لنشرها هذا الكتاب من سلسلتها التاريخية (أعلام الإسلام) كما نرجو