كانت ليلة باردة. تزأر فيها الرياح زئيرا مرعبا - ويهبط فيها البرد مجنونا، فيصطدم بالنوافذ والجدران. ويكون لوقعه على نافذة النادي الوطني في تورينو (في بيه مونت) صوت كصوت الطبل. وكان النادي خاليا تلك الليلة إلا من نفر جاءوه على رغم هذا البرد. . وتجمعوا حول الموقد يحتسون الخمر، حتى إذا كان اكثروا من الشراب، واثقل رؤوسهم جو النادي الثقيل، المليء بالدخان، استرخت أعضائهم، وتممدوا في كراسيهم، يتجاذبون أطراف الأحاديث في فوضى واضطراب. ولم يكن فيهم مصغ، بل كانوا جميعا متحدثين صاخبين. .
ورأى خادم النادي تثاقلهم عم الذهاب، فعلم انهم لا ينوون براحا قبل الصباح. فمشى إلى الباب على حذر، ثم أغلقه دونهم وخرج وهو يذهب عنقه في كتفيه، ويتنفس الصعداء. وهرول يريد بيته وعياله.
ولبث القوم على صخبهم حتى صاح منهم (دافئ):
- هو. . . ألا ترون هذه الفوضى مضجرة؟
وكأنما نبههم بصياحه فأنصتوا. وقال صولين
- وماذا تريد؟
- أريد أن اشرب قدحا آخر على روح الدكتور!
فتبسم صولين ضاحكا من قوله، وانبرى له بيبر بحدة كالذي لدغته عقرب وقال:
- أتعود إلى ذكره؟ لقد ذهب إلى الشيطان!
- ولكنه كان مخلصا
- نعم، كان مخلصا للنمسا (عدوة الوطن) للنمسا التي عاش سبعة اعوام يتلقى العلم في جامعاتها، ويتلقى معه بذور الخيانة للبلد الذي أنشأه، حتى إذا عاد أنكر هذا البلد الذي غادره، طيعا هادئا؛ يؤثر السلم والطمأنينة، ولو في ظل الأجنبي الغاصب، على الجهاد في سبيل الحرية، فوجده حين عاد متيقظا قد غمرته الروح المقدسة، روح الجهاد من اجل الوحدة الإيطالية، وانتشرت فيه كالسيل الجارف الذي لا يقف أمام شيء، قد آمن بها