إن هذا الفرق بين جمال الطبيعة وجمال الفن لا يرى في الجمعية التي تعتقد أنها تستطيع إن ترفع سماء بمهاراتها وعلمها وحكمتها، إن الفن في مثل هذه الجمعية يفقد كل خواص جمالة. إن الرجل الذي يتطلع إلى الكمال في الفن إنما يخدع نفسه إذ الكمال لله وحده، ولا ريب إن من عرف الله حق المعرفة اصبح شبيها به وأمكنه أن يكون الجمال مثله، ولكن أبى للإنسان ذلك، بل إن العجز ليجعله غير قادر على إتمام موضوعاته التي توحي إليه بها معرفته الله، معجبا بسمو لا يد له فيه؛ وهكذا نرى النقص باديا في كل جمال فنى ليس في الفكر فحسب، بل في العمل أيضا، وأنه لنقص يحسبه خيبة وشناعة أولئك الذين يتطلعون إلى مسمى الجمال الطبيعي في الفن والى الواقع رؤيته نظريا لا صنيعاً، مثل هؤلاء.
يفشلون أبداً في العمال الفنية العظيمة لما يعروهم من قنوط وكد وجهد؛ انهم موازين قدرة الإنسان واعترافه بالعجز في إن واحد؛ بيد إن هذا الاعتراف القائم على الصدق والإخلاصإن هو إلا الجمال بعينه، وأن الصفاء ليبدو في جمال الفن أبداً ولكنه صفاء الإذعان لا صفاءالرضى، صفاء القداسة، وليس لصفاء التجمل، إن العظمة غير المحدودة في كل ما يأتي به الفن ليست سوى اثر مهارة يلدها سعي الفنان الدائم ليعمل اكثر مما يستطيع. ليس للفنان أن ينشد مجرد الثناء وتصفيق الاستحسان بل يجب أن يعبد أيضاً وان يبدع ما يقدمه بين يدي عبادته، ذلك خير وأبقى، ليس الرعاة وحدهم الدين تقدموا إلى قبر السيد المسيح بل الحكماء أيضاً جاءوا يحملون إليه كنوزهم، وفن الإنسانية إنما يكون بآثار حكمائها، بل هو عبادة المجوس اكثر الناس بساطة في عبادتهم.
(ايها الحكماء لقد قطعتم كل طرق المعرفة وانتهى بكم المطاف إلى حيرة الراعي؛ ولكنها الحيرة التي لا تذهب بالحكمة) التي عندما تقف حائرة وتتوجه معرفة الإنسان ومهارته وكامل شعوره إلى الإقرار لما هو اعظم من الحكماء أنفسهم يكون ذلك الإقرار هو الفن، له من الجمال ما يفوق جمال الطبيعة القدسي.