يكثر الناس في هذه الأيام من الكلام عن عصبة الأمم بمناسبة انضمام مصر إليها في هذا العهد الجديد، ومنهم من يحبذ هذا الانضمام ويرجو من ورائه خيراً، ومنهم المتشائم الذي يتمثل في ذهنه الماضي القريب وما جرى فيه من حروب وعدوان بين دول هي أعضاء في العصبة، ويرى أن غنم هذه العصبة للقوى وغرمها على الصغير الضعيف. وليس من غرضنا في هذا المقام أن نخوض غمار السياسة في مجلتنا الأدبية، ولكننا سنبين في هذه الكلمة كيف ولدت فكرة العصبة وتطورت خلال الزمن حتى برزت في شكلها الحالي، ونرجو أن يجد القارئ في هذا الموضوع بعض الفائدة العلمية التاريخية.
من يتصفح التاريخ يجد أن الشعوب دائماً في حروب تفصلها فترات تطول حيناً وتقصر أحياناً. وكلما وضعت حرب أوزارها يبحث الإنسان عن وسائل لتنظيم السلام ويهتم لهذا الأمر جد الاهتمام. ولم يشعر الإنسان في أي وقت بشدة حاجته إلى توطيد أركان السلام أكثر مما شعر عقب الحرب العظمى في سنة ١٩١٤ لهول ما لاقى الناس منها. وقد كانت فكرة عصبة الأمم كائنة قبل الحرب، وظهرت جلية في كتاب للمسيو ليون بورجوا الفرنسي عنوانه (عصبة الأمم). ثم بدت هذه الفكرة بعد ذلك رسمياً في مذكرة الرئيس ويلسون في ديسمبر سنة ١٩١٦. وانتشرت هذه الفكرة بين رجال الحكم والسياسة فقويت، ثم ازدادت قوة حين تغلغلت في الرأي العام وسرت بين الشعوب التي عانت في الخنادق أفظع الآلام وذاقت في تلك الحرب الضروس طعم الأهوال البشعة التي يذيب ذكرها لفائف القلوب.
وفكرة عصبة الأمم تضرب بأصولها إلى أزمان بعيدة، لأنها تتصل بشعور طبيعي ضروري، وبرغبة شديدة في الهدوء والسلام. والباحث المدقق يجد أن عصبة الأمم وجدت منذ أن تكونت شعوب منظمة قامت بينها الصلات الكثيرة المختلفة. وقد أنشأ الرومان ما يمكن أن نسميه (جمعية شعوب) وكانوا هم بطبيعة الحال رؤساء هذه الجمعية.
وبعد وقت طويل جاءت المسيحية تحمل للعالم أفكار المساواة والإخاء على الأخص. وهذا