إذا انحصرت فلسفة الموسيقى في تفسير جمالها وإيضاح التأثر بسماعها أمكننا أن نعتبر التمتع النفسي بهذا السماع أهم عنصر مكون لجمالها الذي هو بدون شك جزء من الجمال العام
وإذا كان جمال الفن المكاني منحصراً فيما يمكن رؤيته، أو ما يمكن لمسه، كان جمال الفن الزماني منحصراً فيما يمكن سماعه
وعلى ذلك يكون التأثر بهذا المسموع وقياس القدر الفعال في نفسية المستمع هو موضوع فلسفة الموسيقى
ومعنى هذا أن نقد وتحليل ما نسمعه منها على قاعدة الأسمى والأجمل والأروع هو الغرض الأول من التفلسف الموسيقي
وإذا كان أثر الجمال هو دخول السرور المطلق على النفس نتيجة المشاهدة، كان أثر الموسيقى السامية الجميلة الرائعة نفس السرور المطلق نتيجة هذا السماع
ولا يخرج السرور هنا عن معنى الارتياح والرغبة في الاستزادة دون رد فعل يُشعر بالخيبة أو الضجر، حتى ولو كانت القطعة الموسيقية تمثل الحزن والألم؛ لأن هذا ما تصادفه أحياناً في المشاهد الطبيعية التي تكون ثورة بركانية، أو اصطدام غيوم نشأ عنه برق ورعد، أو مطر غزير لا يبعدها عن الجمال الذي يمكن للفنان أن يتأمله ويتأثر به دون رد فعل
فالألحان الموسيقية تكون تارة ممثلة لحلاوة اللقاء، وأخرى لمرارة الفراق، وغيرها للذة الانتصار، أو لقساوة الانهزام، وما إلى ذلك من مختلف النواحي التي يتصيدها الفنان بفنه
وعلى هذا القياس يمكن اعتبار كل ما يلفت الإرادة الشخصية إلى السماع دون إرغام موضوعاً من موضوعات الموسيقى - على أني لا أقصد بالسماع مجرد الإنصات، بل السماع المشفوع بالتفكير والفهم والتقدير والتأثر؛ إذ عندئذ نجد العقل مفكراً لتكوين حكم معين على ما يسمعه، بعد قياس درجة تناسب الأصوات وانسجام أجزائها المكونة للقطعة،