لم يفكر جون هيوود عندما ابتكر الفواصل المضحكة التي أشرنا إليها في الفصل السابق، في أن تكون فواصله جزءاً من صلب الدرامة الأخلاقية، إنما قصد أن تكون شيئاً مستقلاً كل ما يرمي إليه هو التضحيك والترفيه عن الناس بهذا السيل المتتابع من النكات الشائقة وطرافة الموضوع ولذع سخريته، ولهذا كان تمثيل فواصله قاصراً على الحفلات التكريمية أو أوقات الاستراحة في الحفلات العامة أو المآدب الكبيرة. وكان أول ظهور فواصله التمثيلية هذه، التي مهدت للملهاة الإنجليزية الكاملة، في العام الثاني عشر من حكم الملك هنري الثامن - ١٥٢١ - ومن أطرف تلك الفواصل فاصله المسمى (الباءات الأربع)، أو والذي نستطيع أن نسميه باسم (المغفلين الأربعة، وهم: المحتال والمسامح والعطار والبائع المتجول وخلاصة هذا الفاصل أن خلافاً يشجر بين المحتال والمسامح، إذ يدعي المحتال أنه طاف بأرجاء العالم وجال في جميع أصقاعه، كما حج إلى بيت الله (في فلسطين طبعاً) عشرات المرات، ولذلك فهو يريد صاحبه على أن يقر له بسعة الاطلاع والتبحر في المشاهدة، وأنه بذلك قد هذب نفسه ورقق طبعه لكثرة ما خبر من أحوال العالم، وما تمرس به من تجاريب الحياة. بيد أن صاحبه يسخر منه ويغلو في الاستهزاء به، ويقول له إن من كان شأنه ما ذكر، كان ينبغي أن يعود أكثر اتزاناً، وأرجح عقلاً، وأوفر أدباً، وأقوى ضبطاً لنفسه، وأشد سيطرة على أعصابه. . . ويشتد الخلاف بينهما ويستفحل، حتى يوشكا أن يلتحما لولا أن يقبل عليهما العطار - المغفل الثالث -، فيرسل هو الآخر تهريجاته المضحكة، ويصرفهما عما كانا فيه من فخار وتعاظل ليزهي هو بنفسه، وليطلعهما على ما وهبه الله من مقدرة وافتنان في تركيب عقاقيره - ولاسيما السموم المهلكة التي تكثر من زبائن جهنم، وأنه أحسن مورد للمدائن وللقرى على السواء. ثم يقبل البائع المتجول - وهو المغفل الرابع - فيهرع إليه الثلاثة ليحسم النزاع المشتجر بينهم. . . لكنه يشيح عنهم ويشتغل بعرض سلعه وترتيبها، ثم يمضي وقت طويل ولا يمن الله على البائع المتململ بزبون واحد يجبر خاطره بشراء شيء من معروضاته الكثيرة فيشترك مع الثلاثة الآخرين في هرائهم مضطراً، ولكنه يرفض أول الأمر أن يقضي بينهم. . . لأن الله