لم يكتب له هذا القدر العظيم من الذكاء وعبقري الفطن حتى يستطيع أن يفهم هذه المشكلات العويصة التي يختلفون عليها. . . يقول هذا بعد إذ يلاحظ أن ثلاثتهم مغفلون أغبياء؛ بيد أنه يتغابى هو الآخر، ويستدرجهم لكي يقص عليه كل منهم أكبر كذبة من أكاذيبه. . . وهنا تنشب ملحمة مضحكة من أروع الأكاذيب التي لا يتسع المقام هنا لاستيعابها جميعاً. وما يزال هذا شأنهم حتى يدعي المحتال (النخاع) أنه طاف بأطراف الدنيا، وعاشر الملايين من الناس في كل حدب وفي كل صوب، وأنه بلا من أمور النساء ما لم يتفق لأحد من قبل ولن يتفق لأحد من بعد، وأنه كثير الأصحاب جم الأصدقاء، وأن في صويحباته نصف مليون امرأة! نصف مليون فقط! - ليس فيهن من تدللت عليه يوماً ولا بدت منها أمارة من أمائر الغضب لأي سبب من الأسباب - ولما كانت هذه من غير شك أغلظ الأكاذيب وأفحشها فقد قضى البائع بالغلبة لهذا المحتال (النخاع!) - والدرامة من أولها إلى آخرها تفيض (بالفَشْر!) - وليغفر لنا القراء هذا التبذل في التعبير فنحن نكتب عن الملهاة الإنجليزية التي يعتبر (الفشر) أقوى أركانها. ثم هي مليئة بالنكات من النوع الهادئ الذي يفيض عن الطبع الإنجليزي البارد. وقد كتب هيوود قبل هذه الدرامة - أو الفاصل - فاصلين آخرين أقل منها مرتبة، وقد أدى للمسرح الإنجليزي أجل خدمة بفصله الأخلاقيات والفواصل أولاً، ثم بخروجه على تقليد الشخصيات المجازية ثانياً، واتخاذه أشخاص فواصله من الحياة مباشرة. ومما يؤسف له أن أحداً من الأدباء الإنجليز لم يقتف أثر هيوود في هذا المضمار. على أن أديباً آخر هو (نيقولا أودول ناظر مدرسة أيتون (١٥٠٥ - ١٥٥٦) - وكان من عادته تقديم درامة من الدرامات الكلاسيكية الرومانية في كل من حفلاته السنوية المدرسية، قد فاجأ المدعوين بملهاة من تأليفه سماها (رالف رويستر دويستر - كانت أول ملهاة منتظمة من فصول متفرقة شهدها المسرح الإنجليزي - والملهاة بعد ذلك لم تكن شيئاً مذكوراً ولم يكن لها قيمة من حيث الحبكة أو الموضوع أو اللغة إن لم تكن شيئاً غثاً تتقزز النفس منه وتغثي له. وقد نظمها من خمسة فصول وقسمها إلى مناظر وقصد بها إلى تصوير حياة الطبقة المتوسطة من سكان لندن في القرن السادس عشر. وأبطالها الثلاثة: أرمل تدعى كونستانس، ثم عاشقان يحاول كل منهما أن يفوز بها. أما أولهما وهو بطل الرواية فهو رالف رويستر دويستر ومعناه الولد الجعجاع الكثير التفاخر؛