استكشف صديقي الدكتور محمد عوض محمد في نقده القيم الظريف لكتابي على هامش السيرة أن وراء هذا الطلاء الرقيق الذي أظهره من الثقافة الغربية أزهريا قحا. فحق عليّ أن أهنئه بهذا الاستكشاف وأن اشكره له، فقد دلني على نفسي أظهرني على حقيقة أمري. ولعله يأذن لي في أن اهدي إليه هذه الترجمة اعترافاً بفضله ومكافأة له على جهده الخصب العظيم.
وأحب أن اقدم بين يدي هذه الترجمة ملاحظات لابد منها
الأولى: إنني حرصت اشد الحرص على أن تكون الترجمة دقيقة تشبه الحرفية، لأنقل إلى القراء صورة إن لم تكن مطابقة فهي مقاربة لما أراد الكاتب أن يقول
والكاتب نفسه غامض. فهذا النحو من الترجمة يزيده غموضا ولكني سأجتهد في توضيحه بتعليقات قصيرة تبين ما يريد.
الثانية: أن الكاتب زعيم من زعماء الرمزيين فهو يطلب الاستعارة والمجاز فالتشبيه والتمثيل، ويبعد فيها ويصل بهذا الأبعاد إلى إشراك القارئ معه في لذة التفكير والاستنباط، فلا ينبغي إذن أن يضيق القارئ بما سيرى من غرابة، وإنما يجب عليه أن يصبر على هذه الغرابة ويروض نفسه على مواجهتها حتى يألفها ويطمئن إليها فيصبح صديقا للكاتب ومحبا لآثاره.
الثالثة: إن هذا الكتاب حوار بين سقراط واثنين من تلاميذه في آخر وليمة من ولائم العشاء، فليلاحظ القارئ هذا وليلاحظ أن سقراط وأصحابه كانوا وثنيين، فهم يتحدثون لغة الوثنيين، يذكرون آلهة عدة، لا إلهاً واحداً.
الرابعة: أن عنوان هذا الكتاب وموضوعه قد يؤذيان سمع المتحرجين من الشرقيين، ولكنهما لا يؤذيان سمع الفرنسيين، ومن المحقق أن بول فاليري لم يكتب كتابه لنا، ولو أنه فكر فينا وقدر أنا قد نترجم كتابه لكان من الممكن أن يتخذ لكتابه موضوعا وعنوانا غير الرقص. ومن يدري لعله كان يحس أن الأسباب بينه وبيننا مقطوعة غير موصولة، وانه