يعي التراث الإسلامي في تضاعيف مكتبته الجليلة صحائف عن شؤون الموظفين يجدها الباحث متفرقة هنا وهناك. وهي صحائف تحوي معاني عجيبة عميقة فيها اتجاه راشد قصرت عنه النظم الحديثة في بعض وجهاتها، ومن ثم كانت تلك الصحائف جديرة أن تستقصي وتستلهم وتسترشد.
قامت الجماعة المسلمين فاستوجب قيامها نظاماً يعتمد بالضرورة على موظفين يقومون بواجباته، ويحملون أمانته. لقد أمر النبي أتباعه أن يأمروا عليهم حتى في أقل الجماعات وأقصر الاجتماعات فكأنه نبه على وجوب التولية فيما هو أكثر من ذلك، وقد اضطلع هو نفسه صلوات الله عليه بكل ما يتعلق بولاة الأمور في المدينة، فولى في الأماكن البعيدة والقريبة، وأمر على السرايا وبعث على الأموال الزكوية السعاة.
واقتضت الظروف حتى في بدأ الإسلام تعدد الوظائف على نحو أبعد مما أن يظن؛ فعهد الرسول لم يخل من وظائف الوزارة ووظائف الكتابة بأنواعها، ووظائف السفراء والقضاة وفارضي النفقات ورجال الأمن والتعليم والصحة والمال والحرب والغنائم والمترجمين وغيرها، ولو لم يصطلح على بعض هذه التسميات وقتئذ بل لقد وجدت وظائف هي بطبيعتها مما لا يقوم إلا حيث التمدن ودقة الإدارة كصاحب السر ورئيس التشريفات ورجال الحاشية الخاصة.
والوظيفة في الإسلام تكليف شاق، وجهود محشودة لخير الأمة. يقول النبي (ما من أمير بلى أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل الجنة معهم.) والإسلام يقتضي من يلي أية رعية أن يرفق بها؛ يقول الرسول:(إن شر الرعاء الحطمة) يريد العنيف الذي لا يرفق برعيته بل يحطمها.
والراعي إن لم يبسط لرعيته جناح رحمته فهو من دعوة الرسول في خطر؛ يدعو عليه السلام - وكأننا نحس قلبه الرحيم يخفق في دعوته - (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فأشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فأرفق به. وغش الراعي