رعيته كبيرة تشقيه في الآخرة:(ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة). فأما العادلون، فالحديث يشير إلى فضلهم ومنزلتهم بعبارة مضيئة فيها بلاغة مؤثرة:(إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا).
ولذلك، ترغب السنة إلى من كان فيه ضعف عن القيام بالوظائف أن يجتنبها، وتقرر أنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه منها، ولكن السنة مع هذا ترغب في ولاية من أستجمع شرائطها وقوي على أعمالها وتعتبر الوظيفة لمن يتخذها ديناً يتقرب به إلى الله ويفعل فيها الواجب جهد طاقته من أفضل الأعمال الصالحة.
والنظم الإسلامية تتحرى في تعيين الموظفين الأمثل فالأمثل، وتعتبر في صراحة قاطعة العدول عن هذا خيانة كبيرة. ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى عمر بن الخطاب:(من قلد رجلاً على عصابة وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى منه فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين).
سنت النظم الإسلامية للموظفين مبادئ تبصر الدنيا على هدى الدين؛ ولهذا نرى عصارات الدين القوية تسري في أعمال الموظفين كبيرهم وصغيرهم فتؤتي أكرم الثمرات. يكتب عمر ابن الخطاب إلى عامله أبي موسى: وإن أسعد الرعاة عند الله من سعدت به رعيته، وإن أشقى الرعاة من شقيت به رعيته. ويقول له: واعلم أن للعامل مرداً إلى الله، فإذا زاغ العامل زاغت رعيته.
والمسلمون يرون التزام الموظفين العدل أصلاً أساسياً في نجاح الدولة لا يغني عنه أي عمل صالح حتى الإيمان؛ فمهما يروى:(الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا بنصر الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة).
ومما يمثل النظم الإسلامية في آداب الموظف ما عده القلقشندي من آداب الكاتب، قال: ومنها لزوم العفاف والصيانة فيما يتولاه للسلطان من أعمال. . . والتعفف عن المطامع الذميمة والمطاعم الوخيمة والترفع عن المكاسب اللئيمة؛ فإن ذلك يجمع القربة إلى الله تعالى والحظوة عند السلطان، وجميل السيرة عند الرعية، حتى أن الطريقة قد تقدم بها عند السلطان المتخلفون في الفهم والمعرفة، وسادوا على من لا يقاربونه في غناء ولا كفاية،