وحصلوا على الأموال السنية والمنازل العلية، وقرب بها من كان بعيداً على من كان قريباً، ومن لا مكانة له ولا حرمة على من كان له مكانة وحرمة، واستدنى لأجلها من لا يترشح لخدمة السلطان
والموظفون في النظم الإسلامية يخضعون لمراقبة بالغة. قيل عن عمر إن علمه بمن نأى عنه من عماله ورعيته كان كعلمه بمن بات معه في مهاد واحد، وعلى وساد واحد، فلم يكن له في قطر من الأقطار ولا ناحية من النواحي عامل ولا أمير جيش إلا وعليه له عين لا يفارقه ما وجده، فكانت ألفاظ من بالمشرق والمغرب عنده في كل ممسي ومصبح. وعلى نحو هذا كان الكثيرون من خلفاء المسلمين.
وبعض التصرفات الشخصية البحت لكبار موظفي الدولة الإسلامية لم يكن بمنجاة من تعقب الحكومة؛ تزوج حذيفة ابن اليمان أجنبية، فطلب إليه عمر أن يطلقها على كونها حلالاً لأن (في نساء الأعاجم خلابة، فإن أقبلتم عليهن غلبنكم على نسائكم.
والموظف الذي يعفي نفسه من الضمير والواجب عليه وزر عمله. يقول أبو يوسف للرشيد: وأنا أرى أن تبعث قوماً من أهل الصلاح والعفاف ممن يوثق بدينه وأمانته يسألون عن سيرة العمال وما عملوا به في البلاد. . . إلى أن قال: وإذا صح عندك من العامل والوالي تعد بظلم وعسف وخيانة لك في رعيتك واحتجان شيء من الفيء أو خبث طعمته أو سوء سيرته فحرام عليك استعماله والاستعانة به، وأن تقلده شيئاً من أمور رعيتك أو تشركه في شيء من أمرك؛ بل عاقبه على ذلك عقوبة تردع غيره من غير أن يتعرض لمثل ما تعرض له. وإياك ودعوة المظلوم فإن دعوته مجابة.
على أن التقارير التي ترد إلى الحكومة عن الموظفين يجب أن تكون صادقة، فكاتبوها - كما يقول أبو يوسف للرشيد -: ربما مالوا مع العمال على الرعية وستروا أخبارهم وسوء معاملتهم للناس، وربما كتبوا في الولاة والعمال بما لم يفعلوا إذا لم يرضوهم، وهذا مما ينبغي أن تتفقده وتأمر باختيار التقات العدول من أهل كل بلد ومصر فتوليهم البريد والأخبار. . . وتتقدم إليهم في أن لا يستروا عنك خبراً من رعيتك ولا من ولاتك، ولا يزيدوا فيما يكتبون به عليك خبراً، فمن لم يفعل منهم فنكل به، ومتى لم يكن أصحاب البرد والأخبار في النواحي ثقات عدولاً فلا ينبغي أن يقبل لهم خبر في قاض ولا وال.