كل إنسان ظالم في أمر واحد أو أكثر من أمور الحياة، فأن المرء قد تميل به رغائب نفسه وحاجاتها وشعورها حتى يحسب غايته الدنيئة، ومقصده الوضيع، ورغبته الخسيسة، غاية عالية، ومقصداً نبيلاً، ورغبة شريفة؛ وأساسها لو فطن له الغرور والإعجاب بالنفس، أو محاولة إخفاء نقائصها، أو محاولة كسب الجاه، أو المنفعة من حساب غيره، ومتى تهيأ له قبول الغاية الدنيئة، كأنها غاية نبيلة سهل عليه أن يغالط نفسه مغالطة أخرى فيزعم، أن الغاية النبيلة تزكي الواسطة الدنيئة.
ولا تجد بين الناس من لا يغالط هذه المغالطة أيضاً في أمر واحد أو أكثر من أمر واحد من أمور الحياة.
وهذه المغالطة مزدوجة تجعل المرء يزكى الواسطة الدنيئة بالغاية الدنيئة، لأنة أولاً غالط نفسه فحسب الغاية الدنيئة غير دنيئة، ثم غالط نفسه وحسب هذه الغاية تبرر الواسطة الدنيئة؛ وقد يغالط المرء نفسه مغالطة ثالثة، فيحسب الواسطة الدنيئة، نبيلة، وهذا من قبيل الاحتياط إذا لم يستطع أن يزكي عمله لدى الناس بمبدأ تبرير الواسطة بالغاية.
وهذه المغالطات الثلاث تصل بالمرء إلى حالة نفسية يرى فيها أنه يحاول بلوغ الغاية بالوسيلة النبيلة، وهو إنما يحاول بلوغ الغاية الدنيئة بالوسيلة الدنيئة. وقلما يفطن الناس إلى هذه المغالطات في أنفسهم، وقد يعمون عنها في نفوس معاشريهم، فالمرء قد يكون مدفوعاً في سلوكه بما ركب من طبائع الشر، أو لأنه يمني نفسه أن في قوله أو عمله منفعة لنفسه، أو لأنه يرى فيهما إعلاء لنفسه ولرغبته في الظهور بمظهر الغيرة على الخير والحق ومظهر كره الباطل والشر أو لسبب أخر من أسباب عديدة متنوعة، ولكنه لا يزال يروض نفسه حتى يصرفها عن الأسباب الحقيقة وحتى تعتقد نبل غايتها ومقصدها، وأن مطلبها الحق أو الفضيلة أو الخير أو الدين، وقلما تجد في الناس من يعجز عن أن يقنع نفسه أنه إنما يعادي أو يصادق من أجل هذه المطالب النبيلة الشريفة، فإذا اقتنعت سهل عليها أن تتخذ الوسائل الدنيئة لمحاربة من ترى في محاربته ظاهرة انتصار منها لهذه المطالب، فتتخذ من وسائلها النميمة والكذب واستثارة الأحقاد بالنميمة والغيبة والكذب، وكل