للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ترجمة وتحليل:]

الخلود

لشاعر الحب والجمال لامرتين

ترجمة الأستاذ صبحي إبراهيم الصالح

- ١ -

كان لفاجعة لامرتين في حبيبته (جوليا) - وهي موضوع قصة (رفائيل) - أثر عظيم في إرهاف حسه، وإخصاب خياله، وتفتيق عبقريته: فله فيها مراثٍ جياد تفور بالعاطفة الجياشة، وتزخر بالتصوير البارع، وتمتاز بالنفس الطويل.

ولا ينسى مطلع على كتاب (من الأدب الفرنسي) تلك اليد البيضاء التي أسداها إلى أبناء هذا الجيل أستاذنا الجليل الزيات يوم نقل إلى العربية بقلمه الرشيق، وحسه الدقيق، وأسلوبه الذي لا يجارى، قصائدَ (البحيرة، والوحدة، والوادي، والمساء، والذكرى، والدعاء) فأظهرنا على نفسية شاعر عظيم، وعلمنا كيف نترجم للخالدين. . .

أما القصيدة التي نقدمها اليوم إلى الرسالة - بعد غيبتنا الطويلة - فهي إحدى مراثي لامرتين لحبيبته، وهي فياضة بصوره وأخيلته، تصف بلباقة ما كان يكظمه من الحزن، وتفصِّل بأسلوب شعري علاقة الروح بالبدن، وتقوِّي في الفطرة السليمة عقيدة (الخلود).

نظم الشاعر هذه القصيدة سنة ١٨١٧ بعد أن مضى زمن قصير على موت جوليا وأفول شمسها، وكان الحزن لا يزال يلوع قلبه، ويحطم أعصابه؛ فلا غرو إذا كانت نغماته في كل فقرة تنطلق كالزفرات وتوشك أن تسكب الدموع؛ ولا يدع إذا شرع - في استهلال قصيدته - يصور فكرة الفناء بأسلوب يثير الخشوع.

فالشمس ليست عنده آية النهار ومصباح الوجود، وإنما هي شمس أيامنا السريعة التي ما تكاد تشرق حتى تؤمر بالغروب؛ فتشحب في صباحها قبيل ضحاها، وتستبدل اصفرارها بسَناها، وتأفل متعثرةً بخطاها، وتضنُّ على جباهنا الكليلة الفاترة، بأشعتها المرتجفة الحائرة، ثم تمن بها علينا باهتةً حائلة تتماوت بين يدي الليل الهاجم، فتتوالد في عقِبها ظلمات حوالك يولي منها كل شيء فراراً، ويمتلئ من سوادها رعباً، وينمحي في طياتها

<<  <  ج:
ص:  >  >>