ذعراً ورهباً.
(إن شمس أيامنا تشحب مع صبحها المتنفس؛
وعلى جِباهنا الكليلة تلقي وهي تتردَّد
أشعة مرتجفة تقاوم الليل المعسعس:
فيولد الظلام، ويموت النهار، وينمحي كل شيء ويتبدد!)
وجدير بالإنسان الذي وُهب حساسة وشعوراً أن يتمثل فكرة الفناء كلما رأى مغرب الشمس، وحضر مأتم النهار، وشهد مولد الليل! وجدير به أن يقشعرَّ جلده ويلين قلبه لهذا المنظر الخاشع المؤثر، وأن يوجس في نفسه خيفةً من ظلام الدجى وأن يتلمس مواطئ قدميه حيثما أسرى، فإذا أحس أنه على شفا حفرة أو لدى شفير مهوى، تراجع منتفضاً ناكصاً على عقبيه، وظل متراجعاً حتى يثوب حسه إليه.
ولقد يسمع أثناء نكوصه وانقلابه ألحاناً تشكو، وأنغاماً تبكي، وزفرات تتصاعد حرَّى، وأنفاساً تختنق كرباً، ونواقيس تنتحب ولْهى، وأَجراساً تعلن نعياً. . . فتلك أصوات تعزي العشاق في فقد أحبابهم، والإخوان في رحيل صحابهم، يوم جثوِّهم على سُرُر الموت لا يتزحزحون، وتشبثهم بأقدامها لا يتحولون. فلتتمشَّ الرعدة في أوصال الإنسان إذا ما سمع هذه النغمات، فإنها - مهما بعدت عنه - نذير بالفناء، يعكر في القلب صفو الهناء.
(ما أحرى الإنسان أن يقشعر لهذا المنظر ويلين
ويتراجع منتفضاً عن مهاوي الشقاء،
ثم يرتعد حين يسمع لحن الموت الحزين
الذي يوشك أن يتعالى في الفضاء،
ومحتبس الأنفاس من عاشقة ولْهى أو أخ حيران
متشبثين بأقدام السرير الرهيب،
أو ناقوساً منتحباً يُنبئ صوته الهيمان
أن شمس بائس شقي آثرت المغيب!)
أما وإن هذه الشمس الغاربة الخليقة بتحية الشعراء، فإنها رمز حزين لاحتضار بائس يستحق العزاء! فليضع الشاعر يده على ما يكمن في الموت من أسرار، وليسمِّ المحتضر