(فدية) تستغفر بها السماء من ذنوب الأرض وخطاياها؛ وليناج روحه مخففاً عنه ما غشيه من سكرة الموت ورهبة الحساب، غابطاً إياه على رحيله من دار الفناء إلى الملأ الأعلى، حيث تتغير حياته، وتتبدل عاداته؛ فلن يحمل سيفه الصقيل ليطيح بالرءوس ظلماً وعدواناً، ولن يقطب جبينه ويحدق بصره ليغاضب إنساناً، ولن يطلب الشر ويسعى إليه، فسيلهمه الله كل معاني الخير، وسيجعله ملكاً رحيماً يضئ بنوره ما حوله، ويحمل بيده مشعلا قدسياً يمض منه بريق الرفق والحنان.
(سلاماً أيها المحتضر! إنك لم تبدُ لحظة في دنياك
- يا فدية السماء - بهذا المنظر المخيف
الذي غشَّاك به ذعرُك أو خطاياك.
لن تشهر ذراعك أبداً سيفك الرهيف؛
ولم يعُدْ لك جبين عبوس، ولا بصر حديد:
فسيلهمك الإله الرحيم مواساة الضعفاء.
وأنت لا تبيد. . . بل ستنطلق في عالم الخلود،
حاملاً بيدك مشعلاً قدسياً يا ملك السماء!)
طوبى لروح المحتضر! فإن مآله إلى عالم الأنوار المشعشع إلى الأبد، بينما الأحياء في دار الفناء يقضون نصف حياتهم بلا نور؛ فمتى ولد الليل هجعت العيون، وانطفأت الأنوار، وامتد الظلام.
طوبى لهذا الروح! فإنه سيكون أحد هذه الأرواح العلوية التي تحمل مشاعلها القدسية، وتنزل من السماء إلى الأرض لتتسور بيوت النائمين، فتدنو من فراشهم، وترقد إلى جانبهم، ثم تسبح بهم في بحر من نورها الأزلي، وتُغرق أجفانهم في موج من ضيائها الأبدي؛ وتريهم في منامهم أخيلة رائعة، وأضواء ساطعة؛ وتريهم الليل نهاراً، والسراب أنهاراً؛ وتريهم الهائمين بين القبور يفتحون بيد الأمل أبواب الخلود، ويدخلون بسلام آمنين
(وإذا أحيل بين بصري الحسير وبين النور
أقبلت تغرق جفني بنهار أصفى وأزهى؛
فيفتح لي الأمل - وأنا قريب منك هائم بين القبور