للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معتصم بالإيمان - عالماً أسمى وأبهى. . .)

وهذا العالم السرمدي الذي تنعم به الأرواح في منامها ودَّ الشاعر لو يسمو بنفسه إلى آفاقه، لأنه الموطن الأول الذي نزح الإنسان منه فينبغي أن يعود إليه؛ ولكنه يرى أغلال حسه وقيود بدنه تعوقه عن الطيران، فليست يداه جناحين فيحلق بهما في السماء، وإنما هما وسائر أعضائه سجن ضيق يتحرك فيه بقدر، ويدور منه على حذر. فمن له بتحطيم أغلاله، وفك قيوده، وفتح سجنه، وجعلهِ طائراً يطير سوى هذا الروح الطليق الذي يمضي في اللانهاية حيث يشاء؟

فليستغث به عله يُصرخه، وليستعجله إلى نجدته قبل أن يقذف بنفسه إلى العالم المجهول، وهو في غمرات الحيرةوالذهول.

(تعال إذن. . . تعال حطم أغلال حسي!

ثم افتح سجني وأعرني جناحيك فأطير على رسلي!

ما يبطئ بك؟ أسرع فإني قاذف بنفسي

إلى هذا العالم المجهول غايتي وأصلي. . .)

ويخيل إلى الشاعر - وما ذاك منه سوى خيال - أن روحا لبى نداءه، فحطم أغلاله، وأطلقه من سجنه، وألقى في روعه أنَّ في مكنته أن يطير؛ فينظر فيما حوله حائراً شروداً، ويرى أنه خُلق خلقاً جديداً؛ فتعجب نفسه من نفسه، ويقارن بين حاضره وأمسه. ويتساءل عن الذي فك قيود حسه، ويستفهم عن منقلبه ومصيره، وعن سر مبعثه ونشوره. ويستعلم عن الضيف المجهول الذي أجابه إلى رجيته، وعن مثواه العلوي الذي كان فيه وعن غرضه حين يسعى إليه.

(من حطم أغلالي؟ من أنا وما ينبغي أن أكون؟

إني أموت. . . ولا أفهم سر بعثي ونشوري. . .

عبثاً أسألك أيها الضيف المجهول والروح الأمين!

أين كان مثواك قبل أن ترد حياتي وشعوري؟)

(يتبع)

صبحي إبراهيم الصالح

<<  <  ج:
ص:  >  >>