للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[دراسة ومقارنة]

الطبيعة توحي

والشاعر ينطق

للأستاذ محمد عبد الغني حسن

الطبيعة مصدر إلهام عظيم في الأدب، وللشعر فيها مجال فسيح. افتن بها الشعراء، وتردد إليها الملهمون من أهل الفنون، فوجدوا بين أحضانها منفسحاً من القول ومتسعاً من الكلام. ووجدوا في مختلف مظاهرها صوراً تستحق التسجيل؛ فانتضوا أقلامهم، وجردوا ريشتهم، يجمعون الألوان من هناك وهناك. ويؤلفون بين الظلال، ويوانمون بين الأضواء، ويخرجون من ذلك لوحات شعرية تمتاز من لوحات المصريين.

ولاشك أن اللوحة التي يخرجها الشاعر الموهوب يكون فيها من صدق الأداء وبراعة الوصف وإظهار الدقائق والتفاصيل وحرارة الإحساس ما لا يكون في لوحة يخرجها رسام أو مصور

ولقد اولع الشعراء من قديم بالطبيعة؛ فأووا إليها وصوروها في شعرهم تارة باسمة، وأخرى عابسة ساخطة. ووصفوها على اختلاف الحالين كما فعل هوميروس في الإلياذة، فلم يجعلها ملحمة فقط للحروب والغارات؛ ولكنها كانت معرضاً لألوان شتى من الطبيعة.

ولم يغفل شعراء العرب في الجاهلية وصف الطبيعة؛ ولكن اللوحات التي خلفوها لنا ليست من التنوع والكثرة وخصب الألوان وغناها بحيث تستحق أن نطيل الوقوف عندها والتحدث عنها. ولكنها على كل حال لوحات صادقة التصوير لتلك البيئة.

ولو قد أطال الشاعر الجاهلي تأملاته إلى الطبيعة، وأمعن التفكير في ظواهرها، وعود نفسه السكون إليها والأنس بها والتحديق فيها لأخرج لنا صوراً رائعة من تلك الفيافي الممتدة، والرمال المتناثرة والصخور العارية، كما فعل الشاعر (توماس هاردي) في بعض قصصه وفي كثير من أشعاره. فقد صور منطقة (المور) في جنوبي إنجلترا تصويراً صادقاً؛ وهي إقليم مملوء بالصخور الموحشة، والأشواك الجافة، والوحشة الرهيبة. ولكن ريشة (هاردي) استطاعت أن تقلب وحشة هذا الإقليم أنساً، وأن تخرج من تلك الطبيعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>