للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجافة الخشنة ألواناً تعجب النفس. لهذا تهافت السياح والزوار على مشاهدة هذا الإقليم بعد ما قرءوا رواية هاردي التي عنوانها (عودة المواطن)

وقد ترتبط ذكريات خاصة ببعض الأمكنة أو ما دار فيها من حوادث، ويحن إلى الماضي الذي انطوى في غبار اليوم، كما فعل (امرؤ القيس) في يوم الغدير بدارة جلجل. فقد أشار إلى ذلك في بيت واحد من معلقته التي تبلغ الثمانين بيتاً. والبيت هو:

ألا رُبَّ يوم لك منهن صالح ... ولا سيما يوم بدارة جلجل

وكان حق امرؤ القيس أن يقف طويلاً عند هذا الغدير، لا أن يمر عليه مروراً عابراً سريعاً؛ ولكن شاعراً فرنسياً كان له مثل هذا الموقف فصنع قصيدة عنوانها (البحيرة). والبحيرة هي بحيرة ليمان بسويسرا، والشاعر هو (لامارتين)

والبحيرات والغدر والبرك كانت وحياً وإلهاما للشعراء في كل أمة وجيل؛ فامرؤ القيس يشير إشارة سريعة إلى دارة جلجل وغديرها؛ والبحتري يصف بركة المتوكل على الله العباسي في قصيدة واحدة، ويطول فيها نفسه ويجود فيها وصفه،

فيقول:

تنصبُّ فيها وفود الماء معجلة ... كالخيل خارجة من حبل مجريها

فحاجب الشمس أحياناً يضازحكها ... وريّق الغيث أحيانا يباكيها

إذا المجوم تراءت في جوانبها ... ليلاً حسبت سماء ركبت فيها

والسرى الرفاء الموصلي الذي خرج من الموصل إلى حلب واتصل بسيف الدولة بن حمدان له شعر جميل في وصف الغدر والبرك والمياه. وقل أن تجد لشاعر عربي ما للسرى من الشعر في البحيرات كثرة إجادة.

ولعبد الله بن المعتز الشاعر الحسن التشبيه الكثير الوصف شعر في البحيرات، إلا أن الصنعة تغلب عليه وتعمل التشبيه يلوح فيه. ولو أنه أطلق الوصف على سجيته، وأرسله على فطرته لكان شعراً تصويرياً للطبيعة التي أولع ابن المعتز بتصوير كثير من مظاهرها. فإذا سمعته يقول:

غدير ترجرج أمواجه ... هبوب الرياح ومر الصَّبا

إذا الشمس من فوقه أشرقت ... توهمته جوشنا مذهبا

<<  <  ج:
ص:  >  >>