للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بدا لك أثر الصنعة. وأين هذا من قول البحتري في المعنى نفسه:

كأنما الفضة البيضاء سائلة ... من السبائك تجري في مجاريها

إذا علتها الصبا أبدت لها حُبكا ... مثل الجواشن مصقولا حواشيها

ولقد أوحت بحيرات سويسرا الجميلة إلى كثيرين من الشعراء أمثال (لامارتين الفرنسي) (واللورد بيرون)، (وشيلي) الإنجليزيين. واللورد بيرون له في رحلته الأولى إلى جنوبي أوربا أشعار طبعها ما بين سنتي ١٨١٢، ١٨١٨. وفيها إشارات جميلة إلى ذكرياته السعيدة على بحيرات سويسرة

وفي هذه المناسبة أستطيع أن أذكر اسم الكاتب الأمريكي (هنري دافيد ثورو) الذي نزح من المدينة الصاخبة سنة ١٨٤٥ إلى غدير (والدن) وغابته الفيحاء؛ ووجد في زقزقة الطيور، وطنين الحشرات، وخرير المياه وحفيف الشجر أنساً لنفسه الظامئة إلى رحيق الطبيعة. وله في ذلك كتاب اسمه والدن) كتبه بالنثر إلا إنه يفيض بالشعور والأحاسيس والفناء الكلي في الطبيعة وتقديسها كما تقدس الآلهة

ولا تجد شاعراً - فيما نعرف من الأدب العربي والإنجليزي والفرنسي - أعطى من نفسه وشعره للبحيرات والغدر ومساقط المياه ما أعطاه الشاعر الإنجليزي (وليام وردسورث) لمنطقة البحيرات الإنجليزية المعروفة باسم

كان (وردسورث) شاعر الطبيعة في أي مظهر من مظاهرها، وكان يعتقد أن الطبيعة تحمي الإنسان من الشرور، وتجعل الخير أليفاً عنده حبيباً لديه، كما أشار إلى ذلك في ديوانه المعروف (الفاتحة) قضى حياته جوالاً في منازه أوربا وإنجلترا. وعاش في قرية (جراسمير) بين البحيرات الإنجليزية التي ألهمته ديوانه المعروف باسم (شعر البحيرات) ودفن هناك في الأرض التي ألهمته، وأوحت إليه أسرار جمالها. وقد أتيح لي أن أزور قبره وقبر شقيقته في تلك البقعة الجميلة الهادئة من بقاع شمالي إنجلترا

ومنطقة البحيرات الإنجليزية مدينة في التعريف بجمالها للكاتب النقاد (جون رسكين) الذي أدرك (وردسورث) وعاش بعده زماناً؛ فقد أبان للإنجليز جمال هذه المنطقة مما جعل أغنياءهم يشدون إليها الرحال بدلاً من زيارة بحيرات سويسرة. ولهذا أقام له الإنجليز في تلك المنطقة تمثالاً اعترافاً بفضله ووفاء لحقه

<<  <  ج:
ص:  >  >>