للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القلب]

للأستاذ أحمد أمين

رمتني آنسة في جريدة الأهرام (بأن لا قلب لي، وان كان فليس يخفق) لأني كتبت موضوعا في مجلة الرسالة عنوانه (أدب القوة وأدب الضعف) سميت فيه الأدب الذي يضعف النفس ويمرض العاطفة أدبا ضعيفا مائعا

لك الله يا آنسة أفتدرين أن أشنع سُبّة يسب بها إنسان: أنه لا قلب له؟

وهل المرء ألا قلبه؟

ليس الإنسان جسما بعضه القلب لكنه، قلب غلافه الجسم. لقد قالوا: (إن المرء بأصغريه قلبه ولسانه) ولكنهم بقولهم قد رفعوا من شأن اللسان حتى قرنوه بالقلب، ووضعوا من قيمة القلب إذ قرنوه باللسان، وهل اللسان إلا حاك بكى لأحط حركات القلب وانفعالاته؟ وكيف يعبر المحدث عن القديم؟ أم كيف يحيط المحدود باللامحدود؟ وأين يقع معجم اللغة من معجم العالم؟

إن القلب يقرأ ما رسمه الله على السماء والأرض من أشعار، ولا يسمح منها للسان الا بالقليل التافه، وما الشعر الملفوظ بجانب الشعر المحسوس؟

القلب لا يكذب أبدا واللسان لا يصدقُ الا قليلا، لعلك يا آنسة فتشت عن أعجب ما خلق الله من السماء وفي الأرض لم تجدي أعجب ولا أروع ولا أدق ولا أجمل من قلب الإنسان، تصلح أوتاره فيفيض رحمة وشفقة وحبا وحنانا، ومعاني لطافاً وشعورا رقيقا، حتى يتجاوز في سموه الملائكة المقربين، وتفسد أوتاره فينضج قسوة وسوءا حتى يهوى إلى أسفل سافلين

حوى على دقته كنه العالم! فما أدقه وأجله وما أصغره وأعظمه! يكبر، ولا نرى كبره، فيتضاءل أمامه كل كبير، وسيصغر ولا نرى صغره فيتعاظم عليه كل صغير.

اتحد شكل القلب واختلفت معانيه، فقلب كالجوهر الكريم صفا لونه، وراق ماؤه، يتلقى الإشعاع ويعكسه وهو على أشد ما يكون ضوءا ولمعانا، وقلب كالصخر قوي متين، ينفع ولا يلمع، وقلب هواء، خف وزنه، وحال لونه، وقلب. . . وقلب. . . مما لا يحصيها الا خالقها، إن اتحدت عيون الناس وآذانهم ووجوههم ورءوسهم نوعا من الاتحاد فأن لكل

<<  <  ج:
ص:  >  >>