للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المسلمون في بولندا]

للأستاذ مصطفى كمال عبد العليم

هناك صفحة ليست معروفة تماماً في التاريخ البولندي تتعلق بتاريخ القبيلة التترية الإسلامية التي استوطنت المنطقة الشمالية الشرقية من بولندا. فكما استقرت الشعوب الإسلامية في أوربا كغزاة - إذا استثنينا مسلمي يوغوسلافيا الذين هم من أصل صربي أسلموا عن طريق الغزو العثماني - كذلك استوطن تتار بولندا إقليما لم يطأ غاز من قبل. ومن المعروف أنهم بدءوا يستقرون في بولندا منذ منتصف القرن الرابع عشر.

وليس هناك من شك في أصلهم الجنسي، فهم من الجنس التركي المغولي انحدروا من إمبراطورية جوشي بن جنكزخان وعرفوا باسم (لرعيل الذهبي) في غربي القبشاق. ولكي نعرف متى وكيف استقروا في بولندا يجب أن نعرف أسباب تكوين تلك البقعة الإسلامية الصغيرة وظروف ذلك التكوين، ثم كيف استطاعت هذه الفئة المسلمة وهي محاطة من كل جانب بشعوب مسيحية - أن تحتفظ بدينها خلال كل تلك القرون، وبخاصة من القرن الرابع عشر إلى القرن السابع عشر، تلك القرون التي تميزت بالنضال العنيف بين المسيحية والإسلام.

هناك حقيقتان ثابتتان أولاهما: أنهم بدءوا في الاستقرار قبل سنة ١٣٩٢ وذلك من وثيقة ترجع إلى ذلك التاريخ تتعلق بمنح قطعة أرض لأسرة تترية. والأخرى: من وثائق ترجع إلى سنة ١٤٧٥ أمكن معرفة استقرار مركزهم الاجتماعي والقانوني إذ ذاك، فهم يمتلكون إقطاعيات منحها لهم السلطات المركزية مقابل تعهدهم بالخدمة العسكرية وقت الحرب. فما هي الأسباب التي دعت السلطات إلى أن تسمح بإيواء عنصر غريب الجنس والدين في أراضيها؟ حقيقة أن هناك خدمة إجبارية وقت الحرب مقابل هذا الإيواء، ولكن حتى هذا الإلزام دليل واضح على ثقة السلطات بهؤلاء التتار فما علة ذلك؟

أخذ أسلاف التتار في ضواحي مدينة فيلنو البولندية التي كانت تابعة لدوقية لتوانيا في القرن الرابع عشر. وكانت لتوانيا إذ ذاك دولة مستقلة متسعة ممتدة من نهر تيمن إلى نهر أوكا، ومن البحر البلطي إلى البحر إلاسود، وكانت مهددة بغارات الفرسان التيوتون في الغرب، وإمارة موسكو الناشئة في الشرق التي بدأت تسود الإمارات الروسية الأخرى

<<  <  ج:
ص:  >  >>