بفضل مساعدة (الرعيل الذهبي) التابعين لموسكو. وكان سكان لتوانيا يبلغون بضعة آلاف، فكان يخشى أن تنفصل الإمارات الروسية التابعة للتوانيا لتنضم إلى موسكو بحكم اللغة ووحدة الدين. فكان على لتوانيا أن تحارب في اتجاهين متضادين، وكان على أدواقها تجنب الاشتباك مع الرعيل الذهبي القوي، وكسب تحالفه إن استطاعوا. وهذا ما حدث فعلا سنة ١٣١٩. فكان هذا التحالف موجها أولا سنة ١٣٧٠ ضد الفرسان التيوتون، ثم ضد موسكو ثانيا سنة ١٣٨٠. هذا هو مبدأ الاتصال بين التتار المسلمين وبين لتوانيا وبولندا. وقد يتصور البعض أنه من الصعب تحالف شعبين أحدهما مسلم والآخر مسيحي في ذلك الوقت الذي يفور بالعصبية العمياء، ولكن إذا عرفنا أن اللتوانيين كانوا وثنيين أمكن تصور حدوث مثل هذا التحالف
ثم كان أن اتحدت لتوانيا مع بولندا سنة ١٣٨٦ واعتنق اللتوانيون الكثلكة، ولم يؤثر ذلك في سياسة لتوانيا نحو الرعيل الذهبي. بل العكس ازداد انتظام العلاقات الودية بين التتار المسلمين وبين المملكة اللتوانية البولندية المتحدة الكاثوليكية.
لم تعد لتوانيا تقنع بأضعاف موسكو، بل تريد القضاء عليها، فتدخلت في شؤون الرعيل الذهبي الذي بدأ يتفكك فأخذت تناصر الخانات الأقوياء لتفيد منهم في القضاء على إمارة موسكو، كما شجعت هجرة التتار إلى اراضيها، ومن ثم سمحت لهم بالاستقرار حول فيلنو كما وجد التتار المطرودون من القبشاق ملجأ رحباً في لتوانيا. والواقع أن لتوانب قد جربت إخلاصهم وشدة مراسهم في الحروب ضد الفرسان التيوتون وضد أمارة موسكو.
وقد عاش التتار في هذا الإقليم ستمائة سنة، إلا أنهم كونوا جماعة متميزة بتقاليدها وعاداتها من العنصر الذي عاشوا بين ظهرانيه. وبرغم أنهم تزوجوا بمسيحيات نظرا لقلة النساء المسلمات اللائى هاجرن معهم، فإنهم احتفظوا بدينهم وتمسكوا به كما ضل طابعهم التركي التتري متميزا ظاهريا.
وقد تأثر التتار بالبيئة الجديدة التي استقروا بها. فبعضهم لم ترضه حياة الدعة والاستقرار، فعادوا إلى مراكزهم الأولى في القبشاق، والبعض الأخر بقي، وهؤلاء كانوا قد تأقلموا في القرن الخامس عشر ونسوا لغتهم حوالي منصف القرن السادس عشر. ويرجع ذلك إلى اضطرارهم إلى الزواج بنساء بولنديات، فشب الأبناء على لغة أمهاتهم، إذ أن الأباء كثيرا