ما كانوا يتغيبون في الحروب، وفي هذا تفسير جزئي لاتخاذ المسلمين أسماء بولندية. ولكن برغم كل ذلك لم يضعف تمسكهم بدينهم - كما قلنا - كما أنهم حرصوا على الاتصال الدائم بالعالم الإسلامي وان كان هذا الاتصال يتأثر بطبيعة الحال بالظروف السياسية. فمن وثيقة ترجع إلى القرن السادس عشر نعرف أنهم حجوا إلى مكة، كما كانوا في ذلك الوقت يتداولون فيما بينهم بنقود عربية لابد وأنهم جلبوها معهم بعد عودتهم من الحج. وكان من الطبيعي أن تفيد منهم الحكومة البولندية بأن تجعل منهم سفراءها لدى الدول الإسلامية، وهذا مشاهد من إرسال مترجمين ومبعوثين سياسيين من بين التتار المسلمين خلال النصف الثاني من القرن الخامس عشر وطوال القرن السادس عشر. ثم من ناحية أخرى كان التتار يستعينون بأئمة وعلماء دينيين من تركيا والقرم ليشعلوا بهم وظائفهم الدينية. ومن الطريف أن نذكر أنهم كانوا يستخدمون الحروف العربية في مؤلفاتهم الدينية والعلمية المؤلفة باللغة الروسية أو البولندية.
وقد بلغ التتار البولنديون القمة في تطورهم في منتصف القرن السادس عشر الذي كان عصراً ذهبياً كذلك للتاريخ البولندي. ويمكن أن نقدر عددهم إذ ذاك بنحو مائة ألف. وكان في كل قرية يقطنها المسلمون مسجدها الخاص، وفي بعض المدن هناك شوارع تترية إسلامية صرف. بل وأحياء بأكملها خاصة بهم.
وهناك مرسوم ملكي مؤرخ بتاريخ ٢٠ يونية سنة ١٥٦٨ بين مركزهم بالنسبة للعناصر الأخرى، وهذا المرسوم يعين حقوق نبلاء المسلمين وامتيازاتهم ومساواتها بحقوق المسيحيين وامتيازاتهم. والواقع أنهم كانوا أقل في بعض الحقوق من المسيحيين، فليس لهم حق الانتخاب للمجمع البولندي، وليس لهم أن يكونوا أعضاء فيه أو في مجالس الولايات. وظلوا محرومين من هذا الحق حتى ظهور دوقية وارسو على يد نابليون سنة ١٨٠٧. ولكن من ناحية أخرى يشتركون مع النبلاء المسيحيين في الصفة المميزة لنبلاء العصور الوسطى، وهي ملكية اقطاعات من الأرض كان بقطعها لهم الملك، فكانوا يسمون أحيانا (تتار الملك) وهم إلى حد ما أتباع مباشرون له، فهم لا يستطيعون توارث أرضهم دون موافقة الملك، إلا أن هذا الحق في التوارث صار نهائيا فيما بعد. أما من الوجهة الاجتماعية فهم مقسمون إلى طبقات ثلاث: الطبقة الأولى كبار الملاك ذوي الإقطاعيات الواسعة، وهم