للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الميت الذي لا يموت]

الشيخ محمد عبده

بمناسبة ذكراه الثلاثين

(عجب عجيب!! شيخ يلبس حلة مقطوعة الكم، ضيقة الردن، مبنقة الجيب، ويعتم على طربوش كطرابيش الأفندية، وينتعل حذاء كأحذية الفرنجة، ثم يتكلم الفرنسية ويصاحب الخواجات، ويغشي بلاد الكفر، ويترجم كتب أوربا ويأخذ عن جمال الدين، ويدرس المنطق على رغم ابن الصلاح، ويريد أن يدخل في الأزهر علوم المدارس، ويشتغل بالأدب، وينشئ المقالات للصحف؛ ثم يحرم (الدوسة) وينكر الوسيلة ويحلل الموقوذة، ويسوغ لبس القبعة، ويجيز الربا في صناديق التوفير، ويحاول الاجتهاد، ويفسر القران على غير طريق السلف. . .!!

نعوذ بالله من شر هذه المحنة وعواقب هذه الفتنة، ونسأله أن يقبضها على منهج السنة وعقيدة الجماعة. . . .)

هكذا كان يقول جمهور (العلماء) في صحن الأزهر حين انبلج نور الإصلاح من جبين محمد عبده، كما كان يقول مشركو قريش في فناء الكعبة حين انبثق نور الهدى من غرة محمد رسول الله! لأن دعوة الدين فجأت الكعبة على دنيا مقلوبة الأوضاع، في الأخلاق والطباع، فقال الناس حين رأوا رجلاً رأسه في السماء ورءوسهم في الأرض: انظروا كيف يريد أن يبدل نظام الكون ويغير خلق الله؟! ولأن دعوة الإصلاح باغتت الأزهر على سكون كذهول البله، وخمود كغشية الموت، واستغراق كخدر الأفيون، من طول ما تنكرت له الأحداث، وطغت عليه البدع، وعثت فيه الجهالة، فارتد إلى مثل تكايا الصوفية، أو صوامع الرهبان، يقطع أهله عن الناس، ويجري بهم إلى الخلف، ويعيش معهم في الماضي، ويجعل المثل الأعلى لرجل الدين أن يتوفر على مسائل الفقه، ويتقيد بآراء السلف، ويتعبد بألفاظ الموتى؛ فلما نبههم الإمام إلى أن الدين للدنيا، والعلم للعمل، والعلماء إنما يخلفون الأنبياء ليظل أثر الدعوة شديداً، وحبل الدين جديداً، وخلافة الله قائمة، فتحوا أعينهم على رجل يخالف سمته سمت البيئة، وزيه زي القوم، ورأيه رأي الحلقة، فاستوحشوا من ناحيته وأنكروه، ثم قالوا معتزلي مبتدع!

<<  <  ج:
ص:  >  >>