أخير هذه الحرب القائمة أم شر؟ إن هذا السؤال يبدو غريباً، إذ كيف يمتري أحد في أن هذه الحرب جمعت الرزايا والنكبات ما تقشعر من هوله الأبدان؟ هذه دماء سفكت، وبيوت دمرت، ومئات الآلاف من السكان أصبحوا لا يجدون مأوى يأوون إليه، وهذه أقوات وأرزاق قد سلطت عليها النيران فالتهمتها، وأصبح فريق عظيم لا يجد الطعام. هذه شعوب كانت حرة فاستعبدت، ومن هذه الشعوب شعوب كان في إطلاقها وحريتها مجال فسيح لابتكار ما يفيد المدنية، وفي استعبادها وقيودها الفكرية ما يعطل هذا الإنتاج.
هذه أمور ظاهرة لا تجعل مجالاً للشك في أن الحرب نكبة عالمية، ولكن على الرغم من ذلك أتساءل أخير هي أم شر؟ وأزيد فأقول إنها ربما تكون خيراً، وربما تكون شراً: تكون خيراً إذا رأى المتحاربون ويلات ما صنعت الحرب، وأنه يمكن التخلص منها، إذا علم أسبابها واجتنبت، وأن سببها هو إحلال قانون القوة في الأمم محل قانون العدل.
إذا علم المتحاربون ما في قانون القوة من قدرة على إضرام الحرب وسعوا للتخلص منه، كانت هذه الحرب التي أثمرت هذه الثمرة بركة على الناس. إن من الشعوب التي غلبت على أمرها في هذه الحرب شعوباً كانت تعامل شعوباً أخرى بهذا القانون، فكانت تغزوها، فإذا تغلبت عليها فرضت عليها إرادتها، ثم تمنعها أسباب الرقي العقلي والخلقي، لأنها تخاف إذا هي ترقت في هاتين استنارت وطلبت الخلاص، وربما نالته، وكانت لا تشعر بجرم ما تعمل، لأنها تعمل ذلك في غيرها. وقد دار دولاب الأيام، ووقعت هذه الأمم في قبضة غيرها، وعوملت بقانون القوة، وسقيت بالكأس التي كانت تسقى بها، فوجدت لذلك ألمه، وعندها ربما تدرك سوء ما كانت تفعل مع الأمم الأخرى وتستنكره، فتنكر قانون القوة، وتعرف قانون العدل فيخسر قانون القوة بعض الأنصار، ويكسب قانون العدل ناصراً جديداً. وفي هذا الاحتمال أيضاً خير عظيم، لأنه خطوة واسعة في سبيل السلام.