كم للتصحيف والتحريف في اللغة العربية من جنايات على هذه اللغة! وكم لهما من آثار سيئة في الأدب والتاريخ! وكم أفسد كلاهما من عبارة، وشوَّه من معنى، وأوقع في لبس وإبهام، وترك القارئ يخبط في عشوة وظلام. اطلعت على الكتاب القيم الممتع (ظهر الإسلام) تأليف العلامة المحقق الأستاذ الجليل (أحمد أمين بك) فرأيت في صفحة ١١٧ من الطبعة الثانية منه ما يأتي:
وهذا أبو على القالي البغدادي، ضاقت به الحال قبل أن يرحل إلى الأندلس، حتى اضطر أن يبيع بعض كتبه وهي أعز شئ عنده فباع نسخته من كتاب الجمهرة، وقد كان كلفا بها، فاشتراها الشريف المرتضى، فوجد عليها بخط أبي علي:
أنست بها عشرين حولا وبعتها ... فقد طال وجدي بعدها وحنيني
وما كان ظني أنني سأبيعها ... ولو خلدتني في السجون ديوني
ولكن لضعف وافتقار وصبية ... صغار عليهم تستهل جفوني
فقلت ولم أملك سوابق عبرة ... مقالة مكوي الفؤاد حزين
(وقد تخرج الحاجات يا أم مالك ... ودائع من رب بهن ضنين)
وأقول إن هذه الحادثة إنما وقعت لأبي الحسن على بن أحمد ابن على العالي. فكنيته أبو الحسن لا أبو علي، ونسبته الفالي (بالفاء الموحدة التي هي من الحروف المهموسة والشفوية، لا بالقاف المثناة إحدى الحروف المجهورة التي مخرجها بين عكوة اللسان واللهاة في أقصى الغم) وقد ساق هذه الحكاية على صحتها العلامة المؤرخ الثقة الأديب شمس الدين أحمد الشهير بابن خلكان في كتابه الحجة المعروف باسم (وفيات الأعيان)، قال رحمه الله تعالى في ترجمة الشريف أبى القاسم المرتضى ما نصه:
وحكى الخطيب أبو زكريا يحيى بن على التبريزي اللغوي أن أبا الحسن على أحمد بن علي بن سلك الفالي الأديب كانت له نسخة كتاب الجمهرة لابن دريد في غاية الجودة فدعته الحاجة إلى بيعها، فاشتراها الشريف المرتضى أبو القاسم المذكور بستين ديناراً وتصفحها فوجد فيها أبياتاً بخط بائعها أبى الحسن الفالي المذكور وهى: