كان لي - في وقت من الأوقات - سيارة من طراز لا أعينه (تًسع السبعة الأقاليم طراً) ولم تكن بي حاجة إلى كل هذه السعة، فإني كما يقول ابن الرومي:
أنا من خف واستدق، فما يُثقل ... أرضاً، ولا يسدّ فضاَء
وكنتُ إذا اتخذتُ مجلسي فيها لا أملأ إلا إصبعين منها، وكانت زنتها نحو طنين، أو بضعة قناطير، وأدع للقارئ حساب ذلك، فمالي قبلٌ بالحساب أو صبرٌ عليه؛ وما حاجة مثلي إلى الحساب والبراعة فيه وكل أشيائي تعد بالآحاد، فان كثرت جداً فبالعشرات؟؟ فأنا أكسب المال قرشاً قرشاً، وأنفق ما أكسب حتى قبل أن يصير في كفي، فما يستقر منه في جيبي شيء، فكأني ساعي بريد، لغيره لا له ما يتعب في حمله ويحفي قدميه وهو يدور به على البيوت! وما رأيت في حياتي ورقة بمائة جنيه! وللبنك الأهلي غرف منحدرة في الأرض، ولها نوافذ عليها شُباكة من السلك المنسوج، وحديد متعارض، فهي تؤدي الضوء ولا تنفذ منها اليدُ مع الأسف! وفي هذه الغرف تجلس فتيات إلى مكاتب صغيرة عليها حزم مكدسة من أوراق النقد المختلفة يختمنها بختم المدير أو لا أدري ماذا يطبعن عليها، وكثيراً ما أقف بهذه النوافذ وأنظر إلى الفتيات، أو على الأصح إلى الأوراق - اعني إلى الثروات - التي في أيديهن، فأتنهد أتحسر! وماذا تخسر الدنيا - أو البنك فانه هو الدنيا في تلك الساعات - إذا انتقلت إلى يدي بقدرة ربك - أو بعطف إحدى الفتيات - حزمة واحدة من هذه الأوراق الكبيرة؟
أيفلس البنك؟ كلا! أيقل الورق المتداول؟ كلا أيضاً! فإني بارع في إتلاف المال، فإذا صار في يدي كثر التداول ولم ينقص، ولقد فتنني منظر الورق مرة فطال وقوفي ونفد صبري، وخرج الرشد من أصابع كفي، فصحت بالفتاة الجميلة (هش. . . هش. . . .!)
فرفعت رأسها إلى النافذة ونظرت ثم ابتسمت وعادت إلى ما بين يديها
فعدت أصيح بها:(هش. . . . . هش. . . .!)
فصعدت عينها مرة أخرى فأسرعت أقول:(يا بنت الحلال! إن مُنى النفس جميعاً في حزمة من هذه الحزم الكثيرة - وفيك أيضاً لو تجودين! - فهلا أعطيتني مما أعطاك الله؟)