ولا ادري ماذا كان جوابها، فقد شعرت بيد غليظة على كتفي، فالتفت، فإذا شرطي ضخم، فقلت لأطمئنه:(منظر جميل جداً، إن البنات يعملن بسرعة عجيبة. وأقول لك الحق، إنهن جميلات! من أين يا ترى يجمعنهم؟ ألا تعرف؟ لشد ما أتمنى أن يكون عندي ولو عشرين حزمة - أعني بنتاً - من أمثالهن!)
(اجعل بالك إلي. . . إليهن، لا تدعهم يغبن عن عينك! فإن لي فيهن والله لمآرب! إيه ما أحلى أيديهن الرخصة البضة! ليتني أستطيع أن أضع كفي على كف واحدة منهن! ألا تتمنى ذلك يا صاحبي؟ متع عينك بالنظر يا أخي! متعها، منعها! وهل أقل من النظر؟
ولكن سيارتي، تلك على جمالها وضخامتها وسعتها، أرتني النجوم في الظهر الأحمر، ذلك أنها كانت تستنفذ من البنزين والزيت كل ما هو معروض في دكاكينهما على طريقها، ثم لا تشبع، حتى لقد فكرت في أن أصل خزانها بآبار الموصل! وكثيراً ما هممت بأن أغالطها وأدور من وراء خديعتها، وأملأ لها خزانها ماء بدلاً من البنزين، وأنا أقول لنفسي: (ومن أدراها ان هذا ماء لا بنزين؟) ثم إن خزان الماء كان يغلي كالمرجل بعد دقائق قليلة من السير، فتبدو لي علامة الخطر الحمراء، فأقف وأغير لها الماء، ثم أستأنف السير، وهكذا في الشتاء فكيف بها في الصيف؟ ولهذا صرت أشتري الثلج وافتته، وأحشو به خزانها بدلاً من الماء، ولا أركبها إلا ومعي ذخيرة كافية من ألواح الثلج على المقاعد الخلفية
ولو اقتصر الأمر على هذا لهان الخطب، ولأمكن احتمال المصاب، ولكن محاور العجلتين الخلفيتين كانت مبرية المساليط والأسنان التي تنشب في العجلة وتعلق بها فلا تدعها تفلت، ولم أكن أعلم هذا؟ وأنى لي أن أعرفه وهو شيء محجوب لا يبدو لعين الناظر؟ وكان فساد هذه الأسنان لا يُحدث أثره إلا وأنا في أرض خلاء، ولا أنيس فيها ولا ديار بها، فأكون سائراً مغتبطاً راضي النفس، منشرح الصدر، وفي يميني سيجارة أنعم بتدخينها، وفي عيني ابتسامة عذبة، وعلى لساني - أو شفتي، لا أدري - ألحان أغنية جميلة، وأكون قد خرجتُ من العمران، وأطلقت لها العنان لتهب فضاء الصحراء - حيث كنت أسكن - وإذا بصوت يقول (كركركركركركر. . .) وإذا بإحدى العجلتين الخلفيتين قد خرجت من محورها