وذهبت تجري وحدها في الطريق وإذا أنا مائل على جنبي! فلولا حضور ذهني، وسرعة خاطري، وثبات جناني، لانقلبت بي السيارة، ولانتقل المازني - بعد أن يجدوه - إلى رحمة الله، أو على الأقل إلى المستشفى!
وأفتح ألباب، وأترجل، وأدور بها لأنظر ماذا حدث، ثم أقول:
(شيء جميل! ولكن هل كان من الضروري جداً أن تصنعي هذا هنا على الخصوص؟ ألم يكن من الممكن أن يحدث هذا في شارع محمد علي، أو القلعة، أو غيرهما، حيث الناس يروحون ويجيئون بلا انقطاع؟ أو أمام البيت على الأقل؟ سبحان الله العظيم! ما هذه الطباع الصبيانية؟!)
وأذهب أبحث عن العجلة الطائرة، ثم أدحرجها عائداً بها، وأخلع المعطف والسترة، وأرفع الأكمام، والبس ثوب (العمل) الأزرق، فقد احتجت إليه فحرصت عليه، وأخرج الآلة الرافعة، وعلبة الرزات، وأحمد الله على أن المحور سليم لم ينكسر، وأرد العجلة إلى مكانها، ثم أتوكل على الله وأستأنف السير.
ولكن ما كل مرة تسلم الجرة، فكنت كلما ازددتُ احتياطاً لهذه المفاجآت، زادتني هي افتتاناً في الحيل والمكر السيئ، وقد اضطررت أن أتخذ لي خادماً يصحبني في السيارة ليعينني على بلائها، فحدث مرة وأنا عائد إلى البيت، وكان الوقت منتصف الليل، أن كركرت العجلة - على عادتها - وطارت في ميدان الأوبرا. فوقفت في وسط الميدان، وأمرت الخادم أن يصلح ما فسد، ورحت أنا أتمشى على الإفريز وأدخن سيجارة حتى يفرغ من هذا الأمر، فجاءني يقول ان المحور قد انكسر!
قلت:(هممم! شيء جميل! خبر سار جداً. الثلج حملناه، والبنزين هذه ذخيرته وراءنا كأنا على سفر إلى القطب الشمالي. فلم يبق إلا أن نحمل معنا دكاناً كاملاً من أدوات السيارات والقطع اللازمة لها! لا بأس! غداً إن شاء الله نفعل ذلك. أما الليلة فعليك يا صاحبي أن تدخل في السيارة وتغلقها عليك - أبوابها ونوافذها فان البرد شديد - وتحضن العجلة المتمردة وتنام إلى الصباح، وإنه ليؤسفني أن لا أنيس لك في هذا الميدان الموحش سوى تمثال إبراهيم باشا، ولكنه كان بطلاً، فاحلم بوقائعه إلى الصباح. . . عم مساء والى الملتقى!)