لم يكن أحب إلي من أن أكتب عن الرصافي الشاعر الذي أحبه كما أحب هذه النخبة الكريمة من شعراء العراق الشقيق، لا الرصافي الفيلسوف الذي يدعونا إلى دين جديد!
ولم يكن أحب إلي من أن أترك القلم للصديق الأعز، أخي الدكتور زكي مبارك، لأن القضية قضيته، والموضوع موضوعه، وهو الذي فتح علينا باب هذه الفلسفة الجديدة التي أخذ الرصافي يدعونا إليها من دار السلام
لكن الدكتور زكي مبارك يخاصم الزيات اليوم تلك الخصومة التي لا سبب لها، ويخاصم الرسالة تلك الخصومة التي لا سبب لها كذلك. . . إنه مخاصم الزيات ومخاصم الرسالة لأنهما أطلقا العنان لحرية النشر وحرية الفكر وحرية المجادلة، وأرادا أن يسجلا هذه الصفحة الخالدة من صفحات حرية البحث التي كان الدكتور علماً من أعلامها، بما أثبت في كتبه الكثيرة الجريئة من أفكار وآراء، وهي أفكار وآراء تمس ديننا وتمس لغتنا، بل هي تخوض فيهما خوضاً. . . أفأن رأى أحد مفكرينا من ذوي الغيرة على الدين واللغة أن بعض هذه الآراء قد جار عن القصد، وجاء مالئا يديه بالبرهان وبالدليل، أو بما يؤمن هو أنه البرهان وأنه الدليل، على بطلان ما ذهبنا إليه، غضبنا. . . وتركنا مجادلنا يقول كل شئ، ولا نقول نحن شيئاً؟
إن الدكتور زكي مبارك غاضب لأنه لم يكن ينتظر أن يهاجم في ميدانه الذي هو الرسالة. . . ولقد كنت أغضب مثله حينما أراني أهاجم، بل أتهم، في الرسالة التي أعدها ميداني. . . وكانت حجة الأستاذ صاحب الرسالة أنه كثيراً ما نادى بأن الرسالة:
تعبر بإخلاص عن روح النهضة المصرية
وتجمع على وحدة الثقافة أبناء البلاد العربية
وتصور مظاهر العبقرية للأمة العربية
وأن مجموعة أعدادها ديوان العرب المشترك، وكتاب الشرق الجديد، وسجل الأدب الحديث، ودائرة معارف عامة. . .
وأنه لذلك يؤثر أن تكون الرسالة دائماً سجلاً صادقاً لاحتراب الأفكار في مصر وفي الشرق