قبل أن امضي في الكلام عما وقع في (ساحة العدل) أذكر أن فرصةً جميلة أتاحت لي مقابلة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ (محمد مصطفى المراغي) فتلطف - حفظه الله - وقدَّم إليَّ ملاحظات سديدة على بعض ما مرّ من الآراء في هذه الأحاديث؛ وكان كلامه ما نصُّه بالحرف:
(أنت متجه إلى إلقاء تبعة المعصية على حواء، وفاتك أن تذكر أن عدم تماسك آدم هو السبب في تمّرُد حواء)
والواقع أنى طفت بهذا المعنى في (حديث السِّدرة). ولكن عبارة الأستاذ الأكبر دقيقة جداّ، وهي من الإيجاز النفيس. ولعل فيها رداً على من غضبوا جاهلين يوم دعوناهم إلى الحزم في معاملة النساء
سريرة آدم
ضاق صدر آدم بما وقع من قرب الشجرة المحرَّمة، وفاض كرُبه حين تذكَّر أن حديث الله مع الملائكة كان مقصوراً عليه فقد قال:(إني جاعلٌ في الأرض خليفة) ولم يذكر حواء، وكذلك سكتت الملائكة عن حواء، فكيف يفوته أن يلتفت إلى هذا التفرد بالتكليف وهو غاية في التشريف؟
ثم تذكَّر أن الله عرَض الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها؛ وتشجَّع آدم فحملها وهو لا يدري أن شجاعته لم تكن إلا ضرباً من الظلم والجهل
لو كان آدم يعلم الغيب لأعلن عجزه عن حمل الأمانة بعد نكوص السماوات والأرض والجبال، ولكن شبابه فَتَنه وأغواه فتوهم أنه يقدر على جميع الأثقال
سيقف آدم في ساحة العدل وهو نادم خَزْيان. . . ألم يضيِّع الثقة بمواهبه السامية؟ ألم ينهزم أمام امرأة أعظم أسلحتها البكاء؟
في ساحة العدل ستحتشد الخلائق من الملائكة والجن والطير والحيوان، وذلك أول معرض يعرفه التاريخ. ولن يكون آدم متفرِّجاً في هذا المعرض؛ ولكنه مع الأسف الموجع سيكون مَسلاة المتفرجين. والويل كل الويل لمن يصبح فُرجةً لأهل