شاء لي حسن الحظ أن أهبط يوماً دار صديقي المصور الفنان النابغ الأستاذ شعبان زكي بالمطرية، فلم تكد عيني تقع من الجدر على ما زينها به صاحبها من آيات الفن الرائعة حتى أحسست في أعماق النفس غبطة ونشوة، وكأنما سمعت حينئذ صوتاً يجلجل في أغوار الضمير يصيح بي: مصر العزيزة كنانة الله في أرضه!! ومبعث هذا الصوت وذلك الإحساس هو أني رأيت بلادي داخل الأطر وقد ألبسها الفنان زخرفاً وزينة لم يكن لي بهما عهد من قبل. . . قال لي الأستاذ: ذلك مبدئي وهو أن يأخذ الفنان بأيدي الناس حتى يضع أصابعهم على مواضع الجمال من بلادهم، فأن وفق كانت لنا وطنية تشتعل في الصدور، فأصل الوطنية حب الوطن، وباعث حب الوطن إحساس بجماله. قلت: والله ما أجمل أن يكون هذا وسيلة الفنون جميعاً، تصويراً وكتابة وشعراً وموسيقى.
ومنذ ذلك اليوم رسخ في نفسي مذهب مصورنا الفنان، وتمنيت أ، يكون لنا بين الكتّاب والشعراء من يضعون لنا بلادنا تحت أبصارنا وأسماعنا تستهوي الألباب فتدفع الأفئدة إلى الفتنة والهيام ثم إلى العبادة والتفاني
ذكرت ذلك كله عندما أخذت أتصفح هذا الكتاب القيم الجليل، الذي نقدمه الآن إلى القراء، فهو كما ترى من عنوانه جولة في بعض البلاد الشامية، وصفت وصفاً دقيقاً بارعاً، فلا تقرأ من الكتاب جزءاً إلا وقد ارتسمت في ذهنك له صورة قوية رائعة كأنما جاءتك من رؤية العين، بل إن الكثرة الغالبة من الأعين لتمر مر الكرام على أغلب ما تقع عليه مما لا يفوت الأستاذ المؤلف منه شيء؛ فما أحوجنا في الحق إلى مطالعة بلادنا بأقلام الكاتبين، إذ الحقيقة المرة هي ما يصفها المؤلف في مقدمة الكتاب بقوله:(فقد كنت وأنا أتوغل في هذه الأبحاث أرى بكثير من الأسف أن جل مثقفينا ومفكرينا لا يعرفون من شؤون مساقط رؤوسهم وجغرافيتها وتاريخها القديمين والحديثين ولا من بقاعها ومصانعها الأثرية ومفاخرها التليدة ومدافن رجالاتها البارزة وتراجمهم قدراً كافياً. . .).
وقد رجع المؤلف فضلاً عن المشاهدة إلى عشرات من أوثق المصادر، وإن نظرة عجلى لتكفي للدلالة على ذلك المجهود الجبار الذي أنفقه الأستاذ المؤلف في هذا السفر الجليل: